strong>بعد طول انتظار، حصل اللقاء بين أولمرت وعباس. لقاء كانت “عملية السلام” أبعد ما تكون عن تفاصيله، وإن وردت هامشياً، فتعزيز وضع الرئاسة الفلسطينية في مواجهة الحكومة، هو الهدف الإسرائيلي الأعلى
لا يمكن فصل لقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت عن الأزمة الداخلية التي تعيشها الأراضي الفلسطينية. ورغم “الإنجازات”، التي أعلن عنها الإسرائيليون، بالنسبة إلى تسليم عباس مئة مليون دولار من أموال الضرائب المحتجزة، إلا أنها تصبّ في مصلحة تلميع صورة الرئيس الفلسطيني، المقبل على صراع داخلي، انتخابي وسياسي.
حتى ان الحديث الإسرائيلي عن إطلاق عدد من المعتقلين الفلسطينيين، كبادرة “حسن نية” قبل إطلاق الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط، لا يمكن اعتباره إلا محاولة التفافية على مفاوضات تبادل الأسرى، التي ترعاها القاهرة، والتي وصلت في وقت سابق إلى مراحل متقدمة لإطلاق أكثر من ألف أسير.
وإذا كان ما سبق يشكل إسهاماً إسرائيلياً غير مباشر في الصراع الداخلي الفلسطيني، فإن الموافقة الإسرائيلية على دخول لواء بدر من الأردن، والسلاح للحرس الرئاسي من مصر، يمثل إسهاماً إسرائيلياً مباشراً في تأجيج الوضع الداخلي الفلسطيني.
ودعا أولمرت، خلال الجلسة الأسبوعية للحكومة الإسرائيلية، إلى دراسة إمكان تحرير عدد من الأسرى الفلسطينيين، بمناسبة عيد الأضحى.
وعرض أولمرت، أمام الوزراء، تقريراً شاملاً عن الاتفاقات التي توصل إليها خلال لقائه مع عباس (أبو مازن)، بينها تسليم مئة مليون دولار من أموال الضرائب المجمدة في إسرائيل، والتي صادقت الحكومة بالإجماع على تحويلها إلى مكتب أبو مازن، بعدما أكد لهم أولمرت أنه تم الاتفاق على آلية تضمن عدم وصول الأموال الى مؤسسات “حماس”.
ووصف أولمرت لقاءه مع أبو مازن بأنه “جيد جداً”. وأشار إلى أنه تم الاتفاق على إجراء مزيد من اللقاءات بينهما “لتنفيذ التفاهمات المشتركة والأجندة السياسية التي نريد النهوض بها” والبدء بحوار يهدف إلى تقدّم العملية السياسية مع الفلسطينيين.
وقام أولمرت بتحرّي مواقف نائب رئيس الحكومة شمعون بيريز ووزير الدفاع عامير بيرتس ووزير المواصلات شاؤول موفاز، الذين أيّدوا إطلاق سراح أسرى “رغم أن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط لا يزال في الأسر”.
ورأى بيريز “لا أرى سبباً لعدم القيام بمبادرة كهذه قبل تحرير جلعاد شاليط”، فيما قال موفاز “لقد فعلنا ذلك في الماضي وسيكون هذا الأمر مقبولاً. لكن ينبغي القيام به بشكل مدروس”.
وتناول اللقاء بين أولمرت وعباس، الذي يعقد للمرة الأولى منذ ستة أشهر، قضايا عديدة، أهمها وقف إطلاق النار وتوسيعه ليشمل الضفة الغربية، ومنح تسهيلات في تنقل الفلسطينيين، ونقل السلاح من مصر إلى السلطة الفلسطينية وإدخال لواء بدر التابع لجيش التحرير الفلسطيني، وأموال الضرائب المجمدة في إسرائيل، فضلاً عن موضوع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
ووافقت إسرائيل مبدئياً على نقل لواء بدر من الأردن، والسلاح من مصر إلى حرس الرئاسة.
كما اتفاق الجانبان على أن تقوم إسرائيل، وفقاً لما تعهّد به أولمرت، بإزالة حواجز عديدة وإعداد خطة لإزالة حواجز إضافية في الضفة الغربية، تسهيلاً لتنقل الفلسطينيين ومنح تسهيلات للتجارة بين السلطة وإسرائيل ونقل البضاعة عبر المعابر.
واتفقا أيضاً على تحسين شبكة التفتيشات الأمنية في المعابر بين قطاع غزة وإسرائيل يُسمح بموجبها لـ 400 شاحنة بنقل البضائع بين إسرائيل والضفة والقطاع يومياً.
أما بخصوص مسألة الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، التي وصفها أبو مازن خلال اللقاء “بأنها مشكلة كل بيت فلسطيني، وهي مشكلة أساسية بالنسبة لنا”، فقد قدم الرئيس الفلسطيني لأولمرت قائمة بأسماء 65 أسيراً قضوا أكثر من 30 سنة في السجون الإسرائيلية.
وتناول أولمرت موضوع استمرار إطلاق صواريخ القسام من قطاع غزة، وأوضح لعباس أنه لا يمكن إسرائيل أن “تستمر في سياسة ضبط النفس لوقت طويل إذا تواصل إطلاق صواريخ القسام وخرق وقف النار”، مشترطاً لتوسيع وقف النار ليشمل الضفة أيضاً، وقف إطلاق الصواريخ من قطاع غزة.
واتفق أولمرت وعباس على تفعيل لجان مشتركة تعمل على بلورة معايير لإطلاق سراح أسرى فلسطينيين، تقدم توصياتها خلال فترة قريبة، ولجنة أمنية رباعية، فلسطينية مصرية إسرائيلية أميركية تناقش قضية المُطاردين وتوسيع وقف إطلاق النار ليشمل الضفة الغربية ونقل مناطق للسيطرة الأمنية الفلسطينية، ولجنة اقتصادية مشتركة تناقش شؤون المعابر وأموال السلطة المجمدة في إسرائيل، ولجنة تبحث قضية مبعدي كنيسة المهد.
وقال مسؤول ملف المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات، في مؤتمر صحافي في رام الله، إثر اللقاء، إنه “تم الاتفاق على تأليف لجنة مشتركة للاتفاق بشكل مشترك على المعايير الواجب اتبعاها للإفراج عن المعتقلين”.
وأوضح عريقات أن الرئيس الفلسطيني والوفد المرافق قدموا كشوفاً لرئيس الوزراء الإسرائيلي حول أوضاع المعتقلين الفلسطينيين.
وأشار عريقات الى أنه “تم التطرق أيضاً الى قضية النواب والوزراء المعتقلين” في إسرائيل. وأضاف انه “تم الحديث (خلال اللقاء) عن التهدئة في قطاع غزة ... وعن توسيع هذه التهدئة لتشمل الضفة الغربية”. وأوضح أنه تم الاتفاق على تأليف لجنة مشتركة لمتابعة قضية المطلوبين الفلسطينيين للسلطات الإسرائيلية، مشيراً إلى أنه تم الاتفاق على وقف ملاحقة المطلوبين، سواء لاعتقالهم أو لتصفيتهم.
وجاء في بيان مشترك نشرته رئاسة الوزراء الإسرائيلية، إثر هذا اللقاء، “أن المسؤولَين عبّرا عن رغبتهما في التعاون كشريكين حقيقيين في إطار جهود، من شأنها دفع عملية السلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية إلى الأمام”.
وأضاف البيان أن “الشعب الإسرائيلي والشعب الفلسطيني عاشا ما يكفي من المعاناة، وقد آن الأوان لدفع عملية السلام الى الأمام عبر تدابير ملموسة”. وشددا على “ضرورة وجود اتصال مباشر وجدّي بينهما”، واتفقا على “عقد لقاءات متواترة”.
من جهة ثانية، قال نبيل عمرو، المستشار الإعلامي للرئيس الفلسطيني، إنه يجب التمييز بين الأزمة الفلسطينية الداخلية والأزمة الفلسطينية ــ الإسرائيلية، وذلك في إشارة إلى اعتراض عدد من الفصائل الفلسطينية على لقاء عباس وأولمرت.
وقال عمرو “عليهم التذكر بعدم الخلط بين الأزمة الفلسطينية الداخلية والأزمة مع إسرائيل”. وأشاد بنتائج لقاء عباس بأولمرت أمس قائلاً “قمنا بمناقشة عدد من الأمور الهامة سواء على صعد المبعدين أوالحواجز أو الأموال المحتجزة لدى إسرائيل فهذه كلها إنجازات”.
(الأخبار، أ ف ب، أ ب، رويترز)