باريس ــ بسّام الطيارة
حديث صالونات العاصمة الفرنسية اليوم هو ما همس به مستشار جاك شيراك للشؤون الإعلامية والعلاقات العامة فريديريك سان سيرنان في أذن الرئيس قبل أن يستقيل. يقال إن شيراك طلب منه تقدير نسبة حظوظه بالفوز بترشيح حزبه، بعدما تأكد من أن وزيرة الدفاع ميشال أليو ماري «ليست بمستوى التحدي» لمزاحمة وزير الداخلية نيكولا ساركوزي. فجاء جواب الخبير بارداً مثل برودة علم الرياضيات: «ليس هناك أي فسحة لك» في هذه المعركة.
وباتت الأوساط السياسية بمختلف توجهاتها على شبه يقين من أن «الرئيس سيذهب إلى المنزل» ولن يستطيع بعد الآن وضع أي عقبة في طريق وصول ساركوزي والفوز بترشيح اليمين الليبرالي. كما يستبعد الكثيرون أن يؤدي شيراك دور «شمشون» فيهدم المعبد عليه وعلى حزبه ويترشح مسبباً بذلك وصول اليمين المتطرف إلى الدورة الثانية. وحتى لو خطر على باله سلوك طريق «شمشوني»، فهو بات شبه وحيد بعدما هجره أقرب المقربين من الوزراء والنواب وأعلنوا تأييدهم لساركوزي بمن فيهم رئيس الوزراء الأسبق آلان جوبيه.
أما رئيس الوزراء دومينيك دوفيلبان، فهو، وإن لم يعلن حتى الآن انضواءه تحت راية غريمه ووزير داخليته، بات أعجز من أن يتصدى له، وخاصّةً أنه كان يعوّل على قوة شيراك في معركته.
إلا أن هذا لا يعني أن طريق «الإليزيه» باتت معبدة أمام ساركوزي. فبمجرد أن بات محسوماً أمر ترشحه، بدأت الملفات المتعلقة «بما فعل وبما لم يفعل» خلال توليه وزارة الداخلية تخرج إلى العلن.
ومشكلة ساركوزي هي أنه «فعل الكثير دون أن يفعل شيئاً»، ذلك أن كل ما فعله ترك ردات فعل سلبية لدى الأطراف المخاصمة له، من الاشتراكيين إلى أقصى اليسار مروراً بالجهات المعنية التي تمسها قراراته، وصولاً إلى أقصى اليمين الذي يلومه على أن أفعاله ناقصة ويطالبه بالمزيد.
وكما يقول العديد من خصومه، فالوزير «يجرجر وراءه الكثير من الطناجر» التي كانت أصواتها مخفية وراء ضوضاء حملة الترشح التمهيدية، ومن المتوقع أن تصدح عما قريب وتشير الى الملفات التي يمكن أن تبعد الناخبين عنه، ومن أبرزها تعامل ساركوزي مع المهاجرين من شتى الأصول والانطباع السلبي الذي تركه إبان «ثورة الضواحي».
كما بدأ الحديث يعلو عن «سياسة الترحيل» المطبقة بشكل مكثف منذ حوالى سنة، التي بدأت الجمعيات الإنسانية والمنظمات غير الحكومية تسلط عليها الأضواء وتشير إليها بأنها «مؤشر لفرنسا الغد» في حال وصول ساركوزي الى «الإليزيه». ومن الصعب التحدث عن أرقام إجمالية، وخاصة بعد مسرحية تسوية أوضاع الذين لديهم أولاد في المدارس، والتي تبين أنها كانت عملية تجميع لكل من صدّق كلام ساركوزي قبل ترحيلهم، بينما لم تُسَوّ أوضاع إلا حوالى ستة آلاف وهي نقطة في بحر الإقامة غير الشرعية. ولا يمر يوم إلا وتتحدث الصحافة الفرنسية عن عمليات ترحيل قسرية وعن عمليات «كوماندوس للجمعيات» في محاولات التصدي لهذه العمليات، واشتباكاتها مع الشرطة المكلفة بالمهمات «القذرة» على حد تعبير أحد نقابيي الشرطة.
ومن المفارقات أن سياسة المرشح اليميني، الذي يقدم نفسه على أنه «رجل اليمين الصلب محب النظام والصرامة»، لا تروق لأوساط الشرطة ونقاباتها كما يمكن أن يتبادر للبعض. ففي الانتخابات النقابية الأخيرة خسرت كل النقابات المقربة من اليمين ومن حزب الوزير وكان الرابح الأكبر النقابة المعارضة لسياساته الأمنية. وهي المرة الأولى التي يرى فيها وزير داخلية أن سياسته المتشددة لا ترضى أوساط الأمن والشرطة.