موسكو ـــ حبيب فوعاني
بعد مرور أسبوع على وفاة الرئيس التركماني صابر مراد نيازوف، يبدو المشهد السياسي ضبابياً في تركمانستان، بسبب ظهور مؤشرات على خلافات داخلية، ناهيك عن صراع النفوذ الذي تخوضه الأطراف الدولية المؤثرة للسيطرة على الواقع السياسي في أحد أغنى بلاد العالم بالغاز.
وفي سياق الإجراءات الدستورية، حدد مجلس الشعب (خَلق مصلحت) التركمانستاني، في جلسة طارئة عقدها أمس برئاسة رئيس تركمانستان بالوكالة قربان غولي بردي محمدوف، تاريخ الحادي عشر من شهر شباط المقبل موعداً لانتخاب رئيس لخلافة نيازوف، الذي توفي في 21 كانون الأول الجاري، من دون أن يعين خلفاً له.
وتبنّى المجلس قانون «انتخاب الرئيس»، الذي أعدّ عام 2005، ولم تتم المصادقة عليه كما كان متوقعاً في شهر تشرين الأول الماضي، وبقيت تركمانستان بذلك من دون قانون انتخابات رئاسية.
ومنذ عام 1992، عندما جرت آخر انتخابات رئاسية، فاز فيها نيازوف، لم تجر أي انتخابات رئاسية أخرى أو استفتاءات لتمديد ولاية الرئيس، حتى عام 1999، عندما أعلن المجلس نيازوف رئيساً مدى الحياة.
ويرى المراقبون أن «صراعاً شرساً» يدور الآن في عشق آباد على خلافة نيازوف، إذ أكدت صحيفة «فريميا نوفوستيي» أن وزير الدفاع آغا غيلدي محمد غيلدوف، ونحو 120 من المسؤولين، «اعتقلوا الاثنين، فيما كان من المتوقع أن يتم انتخاب وزير الدفاع المذكور رئيساً لمجلس الشعب في جلسة الثلاثاء».
وذلك يعني، بحسب مراقبين، «إبعاد العسكريين عن كعكة السلطة، وأن زمام الأمور سيكون بيد ممثلي الأجهزة الأمنية، وأن الساحة أصبحت خالية أمام قائد حرس الرئيس الراحل الجنرال النافذ أكمورات رجبوف»، الذي يعتبر مع طبيب نيازوف الخاص ورئيس الحكومة بردي محمدوف، من القلائل الذين تمكنوا من الحفاظ على مواقعهم.
ويرى المراقبون أن هاتين الشخصيتين هما «محركا الدمى الحقيقيان من وراء الستار على المسرح السياسي في المستقبل القريب».
ومن المتوقع أن يقدّم نحو ستة أشخاص ترشيحهم للمنصب الرئاسي، فيما لا تزال المعارضة تعقد الآمال على العودة من المنفى إلى تركمانستان والمشاركة في الحياة السياسية فيها. وقد اختارت المعارضة خوداي بيردي أورازوف مرشحاً وحيداً عنها للمشاركة في الانتخابات الرئاسية.
وكان أورازوف قد شغل في السابق منصبي نائب رئيس الوزراء، ومحافظ البنك المركزي التركمانستاني. وهو يترأس الآن حركة «الوطن» الاجتماعية السياسية، ويقيم في السويد.
وذكر مدير معهد الدراسات السياسية في موسكو، سيرغي ماركوف، المقرّب من الكرملين، أن أركان المعارضة من الموظفين الحكوميين السابقين، الذين فروا إلى الخارج هرباً من ديكتاتورية نيازوف، «قادرون على التأثير على مسار الأحداث السياسية في تركمانستان»، لكن المسؤولين في عشق آباد أكدوا أن ممثلي المعارضة سوف «يُعتقلون فور أن تطأ أقدامهم أرض تركمانستان».
من ناحية أخرى، بدأ الصراع بين اللاعبين العالميين الكبار، أي الولايات المتحدة والاتحاد الروسي والصين، على النفوذ في الدولة التي تمتلك خامس احتياطي من الغاز في العالم.
ويعتقد ماركوف بإمكان تدخل اللاعبين المجاورين لتركمانستان في شؤونها الداخلية وخاصة إيران وكازاخستان وأوزبكستان وأفغانستان، التي ترابط فيها قوات حلف شمال الأطلسي.
ويرى نائب رئيس أكاديمية القضايا الجيو ـــ سياسية، الجنرال ليونيد إيفاشوف، أن استقرار الوضع في المنطقة «سيتوقف بالدرجة الأولى على كيفية تنظيم العلاقات المتبادلة بين اللاعبين الأساسيين فيها، وفي مقدمتهم روسيا وأوزبكستان وإيران وكازاخستان».
ويؤكد إيفاشوف أن تركيا وإيران ستحاولان تعزيز مواقعهما في المنطقة، وهو برأيه «أمر طبيعي تماماً. وإذا استطاعت دول المنطقة الرئيسية أن تتوصل إلى اتفاق، وأن تتبنى نهجاً مشتركاً في علاقاتها مع قيادة تركمانستان الجديدة، فسيبطل ذلك تأثير كل العوامل الخارجية، ومنها التدخل الأميركي».