باريس ــ بسّام الطيارة
تعيش فرنسا الجمهورية المرحلة التحضيرية لانتخابات يراها العديد أنها ستغير وجه سياسات فرنسا في الكثير من الحقول والميادين. وفرنسا العلمانية تشهد هذه الأيام فترة الأعياد الثلاثة (حانوخة أو عيد التدشين عند اليهود والميلاد المجيد والأضحى المبارك) لتذكر بأنها بلاد هجرة وتنوع ثقافي متعدد، وإن غطى عليها أفق عيد رأس السنة وما يحمله من عطلة ينتظرها الجميع، ومهرجانات تسوق وتسويق.
وكأن بضعة أيام تستطيع إلهاء الناس عن همومهم اليومية على مدار السنة، بانتظار السنة الجديدة والحكم الجديد وأرقام الاقتصاد: الجيد منها ما يتعلق بالتصدير وتراجع البطالة وإن بنسب خفيفة، والسيئ من الأرقام ما يتعلق بمديونية البلاد وتراجع الناتج الوطني، وتزايد الفقر وتراجع النظام التربوي وعدم ملاءمته مع عالم العمل بالإضافة إلى هروب الثروات الضخمة التي كان آخرها انتقال جوني هوليداي إلى سويسرا بسبب «الضغط الضريبي» الذي يأكل ٧٠ في المئة من مدخوله، حسبما صرح أخيراً.
العلاج ينتظر ما بات يسمى في الصحف بــ«العهد الجديد». يمكن استشفاف توجهات معالجة أمراض فرنسا لدى الأطراف الثلاثة المرشحة لأن تصل إلى الحكم، وذلك في كافة المجالات، ما عدا في مضمار السياسة الخارجية.
ويقول أحد الخبراء إن من الممكن أن يكون هناك نوع من القطيعة السلبية مع الولايات المتحدة في حال وصول اليسار. كما يمكن أن يحصل نوع من «القطيعة الإيجابية» في حال وصل اليمين الليبرالي ممثلاً بوزير الداخلية نيكولاي ساركوزي.
كما أن من الصعب جداً التنبؤ بما يمكن أن تؤول إليه سياسة فرنسا في حال وصول جان ماري لوبان المتطرف، حيث من المؤكد أن تكون القطيعة باتجاه أوروبا أولاً وأخيراً، ما يعني ثورة كاملة في علاقات فرنسا مع العالم.
حتى وإن كانت السياسة الخارجية الفرنسية في دائرة انتظار «العهد الجديد»، فإنه، حسبما يقول مصدر موثوق، من المستبعد أن تتغير بعض المسلَّمات الثابتة، وخصوصاً في ما يتعلق بالشرق الأوسط، وتحديداً في ما يتصل بلبنان والمسألة الفلسطينية.
بالنسبة إلى لبنان، فإن التغيير الوحيد الممكن هو إمكان الانفتاح على بعض المحادثات مع سوريا في ظل الحركة الأوروبية الحالية وعدم إغلاق الباب معها من حيث المبدأ كما هو الحال اليوم. ومن المستبعد أن تغيِّر فرنسا موقفها من المحكمة ذات الطابع الدولي، إذا مرت الأيام المئة ونيف التي تفصلنا عن الانتخابات من دون تشكيل هذه المحكمة. ولكن الذي يمكن أن يتغير هو القبول بمبدأ محكمة دولية في حال وصول الفريق المنفتح على واشنطن، أي ساركوزي. ومن هنا، فإن الأطراف المتنافسة على كرسي «الإليزيه» شبه متفقة على مبدأ «تثبيت السيادة اللبنانية على أراضيها وسلامة هذه الأراضي واستقلال لبنان».
أما بالنسبة للمسألة الفلسطينية، فمن المستبعد أن يبتعد الفريق الجديد أياً كان هذا الفريق، ما عدا في حال وصول اليمين المتطرف، عن مبدأ دعم سلامة إسرائيل وأمنها و«حقها في الوجود» وبحدود آمنة من جهة، ودولة فلسطينية في حدود مبهمة وغير معلنة من جهة أخرى.
التغيير الوحيد الذي يمكن أن يحصل هو في تفاصيل مشاريع المبادرات، حيث يتوقع أن يكون صوت الفريق الاشتراكي أعلى في ما يتعلق بالحالات الإنسانية الفلسطينية. أما بالنسبة لانتقاد السياسة الإسرائيلية، فيتوقع المراقبون أن تظل «اللغة الخشبية» التي تميزت بها الدبلوماسية الفرنسية منذ ثلاث سنوات سائدة، أياً كان من يقبض على زمام «العهد الجديد».
وفي الموضوع الإيراني، فمن المتوقع أن يتزايد التباعد بين البلدين أياً كان رابح الانتخابات؛ فسيغولين رويال «تستكثر الطاقة النووية السلمية» على إيران حسب قول أحد المراقبين، بينما يريد اليمين، ممثلاً بساركوزي، الذهاب بعيداً في «تشدد قد يقارب الكسر»، وخصوصاً أن وزير الخارجية فيليب دوست بلازي، الذي انضم رسمياً إلى فريق ساركوزي، له مواقف متشددة من إيران، وكان آخرها قوله إن مجلس الأمن الدولي يضع طهران بشكل صريح أمام خيارين: «إما التعاون مع الأسرة الدولية أو مواصلة أنشطة التخصيب وتنامي عزلتها».