strong>يبقى الصّومال حلبة الصّراع في القرن الإفريقي، وبالتالي ينتظر الشّعب الصّومالي، الذي يعيش الحرب بشتى أشكالها منذ عام 1991، مرحلة مبهمة التصوّر، اللون الوحيد الأقرب إلى تحديدها هو لون الدّم
حسمت القوّات الإثيوبية والقوّات الحكومية معركة السيطرة على مقديشو أمس، من دون أي قتال يذكر، بعدما انسحبت الميليشيات التابعة للمحاكم الإسلامية تحت جنح الظلام الليلة قبل الماضية، عندما أيقنت بعجزها على مواجهة القوات «الغازية»، فحاولت إظهار «صمودها» بوعود «حرب الشوارع».
وغادر معظم قادة المحاكم مقديشو طلباً للنجاة، بينما تقدّمت القوات الإثيوبية والصومالية لاحتلال العاصمة تمهيداً لقدوم متوقع، خلال ساعات، للرئيس الصومالي عبد الله يوسف، بعدما وصل رئيس وزرائه علي محمد جيدي إلى مشارف العاصمة، وأجرى اتصالات مع عدد من وجهاء العشائر والقبائل الصومالية للاتفاق على تسليم المدينة لحكومته.
وأصدر يوسف بياناً تعهد بمقتضاه بالحفاظ على أمن سكان العاصمة وعدم تعرضهم إلى أية منغّصات أمنية من الآن فصاعداً، داعياً إلى الهدوء وإفساح المجال أمام قواته لتثبيت سيطرتها على المدينة.
وقال رئيس الوزراء الإثيوبي مليس زيناوي أمس إنّ قوّات الحكومة الصومالية والقوات الإثيوبية وصلت إلى مشارف مقديشو وستواصل ملاحقة الزعماء الإسلاميين الذين يحاولون الفرار عبر البحر، في ما يبدو تراجعاً عما كان قد أعلنه سابقاً من أن قواته ستغادر الصومال «بعد إنجاز المهمة»، التي كانت محددة بإعادة الحكومة الانتقالية إلى العاصمة، ما يعني أن البقاء الإثيوبي في الصومال قد يطول إلى أمد غير محدد.
وقال زيناوي، للصحافيين في أديس أبابا، «إنّنا نبحث ما سنفعله بحيث لا تهوي مقديشو في فوضى. ولن نسمح باحتراقها. قادة المحاكم والجهاديون الدوليون والإريتريون يلوذون بالفرار. ولكن سنواصل ملاحقتهم وهذا هو برنامجنا، لا ينبغي للحكومة الاتحادية المؤقتة أن تسمح بوجود أمراء الحرب في مقديشو». وأضاف «تقديراتنا تشير إلى سقوط ما بين ألفين أو ثلاثة آلاف قتيل في صفوف المحاكم الإسلامية وحلفائهم، وأربعة الى خمسة آلاف جريح».
واتّهم زيناوي الإسلاميين الفارّين بتوزيع أسلحتهم على الشبان والمقيمين العاطلين عن العمل في مقديشو «من أجل خلق فوضى لدى انسحابهم».
أما علي محمد جيدي فأكد من جهته أن القوّات الحكومية دخلت «العديد من القطاعات» في مقديشو. وقال «نحن موجودون بالفعل في مقديشو في العديد من القطاعات»، مضيفاً «أريد تنظيم التنسيق بين القوات (الحكومية) والمسؤولين (المحليين) للسيطرة على مقديشو».
وحمّل الرئيس الأريتري اسياس افورقي أوّل من أمس إثيوبيا مسؤولية احتدام المعارك في الصومال. وقال، في بيان، إنّ «الوضع الراهن في الصومال هو نتيجة تدخّل قوات أجنبية ولا سيما منها القوات الاثيوبية».
وأوضح أفورقي أنّ «الفكرة القائلة بتحوّل الصومال ميدان مواجهة بين أريتريا وإثيوبيا ناجمة عن جهل للوضع الحقيقي»، مضيفاً أنّ «جذور الأخوّة بين الشعبين الاريتري والصومالي عميقة. فعلاقات حسن الجوار الجيدة بينهما ونضالاتهما المشتركة ترقى إلى أكثر من قرن».
وفي إعلان يتضارب مع الوقائع الميدانيّة، أعلنت «المحاكم» أنها ستستمر في الحفاظ على الأمن في مقديشو، رغم انسحاب مقاتليها وتقدّم القوات الحكومية المدعومة من اثيوبيا، وأوضحت أنّ انسحابها من العاصمة هو لتجنّب سفك الدّماء، الذي أراقته القوّات الإثيوبيّة في المدن الصّوماليّة التي دخلت إليها.
وقال رئيس اللجنة التنفيذية في المجلس الأعلى الإسلامي، الشيخ شريف شيخ أحمد، إن «الأمن الذي ننعم به بالغ الأهمية، ولا نستطيع أن نترك أشخاصاً يتميّزون بالعنف يزعزعون استقرار المدينة. ندعو سكان مقديشو إلى الوقوف إلى جانب المحاكم الشرعية لترسيخ الأمن».
وأعلن زعيم النواب الإسلاميين، الشيخ عبد الرحمن جناكوي، أنه لن يسمح بعودة الفوضى إلى المدينة على غرار ما حصل إبّان سيطرة زعماء الحرب المدعومين من الولايات المتحدة، والذين طردهم الإسلاميون من السلطة في حزيران الماضي.
وأضاف جناكوي ان «المحاكم الشرعية أنجزت مهمة ضرورية عندما سيطرت على مقديشو». وتابع «نقول لسكان العاصمة إن الحفاظ على وحدتهم هو هدف أساسي».
وعلمت «الأخبار» أن علاقات السلطة الصومالية مع عدد من الدول العربية ستشهد ما وصفه مسؤول رفيع المستوى بأنه «مراجعات» في ضوء مواقف هذه الدول من الصراع في الصومال.
وقال المسؤول إن حكومته تشعر بالاستياء من مواقف بعض العواصم العربية المنحازة إلى «المحاكم»، مشيراً إلى أن بعضها قد فتح أراضيه لاستقبال قادة «المحاكم» رغم محاولات بذلها الرئيس الصومالي لثنيها عن ذلك.
وتكرّر الفشل في مجلس الأمن الدولي أمس في التوصل إلى توافق يدعو إلى وقف فوري للمعارك في الصومال وانسحاب القوات الأجنبية، وخصوصاً الاثيوبية.
وقال المندوب الأميركي المؤقت اليخاندرو وولف «إنه أمر مؤسف. كنا قريبين جداً» من اتفاق، موضحاً أن قطر أصرّت على ما يبدو على إبقاء عناصر في النص «لم تكن دول أخرى في المجلس مستعدة لقبولها».
من جهتها، أعربت إيران، على لسان المتحدث باسم وزارة خارجيتها محمد علي حسيني، عن أسفها للاشتباكات في الصومال، ودعت الى وقف فوري للعمليات الحربية، مبدية خشيتها من توسيع نطاقها، وأعلنت استعدادها للمساهمة في وقفها.
وفي بغداد، دعا حلفاء «القاعدة» في العراق المسلمين الى مساندة الإسلاميين في الصومال. وقالوا، في بيان، «تدعو دولة العراق الإسلامية جميع المسلمين إلى الوقوف مع إخوانهم في الصومال ومساندتهم بالمال والسلاح والرجال والدعاء لهم بالنصر والتمكين على عدوهم».
(أ ف ب، أ ب، رويترز،
يو بي آي، الأخبار)