موسكو ــ الأخبار
رغم العلاقات السياسية والاقتصادية الوطيدة، التي تربط إيران بروسيا، ورغم الدعم الملحوظ الذي قدمته موسكو للبرنامج النووي الإيراني على مدى أعوام، شكلت الفترة الاخيرة من عام 2006 منعطفاً فريداً في مسار العلاقات بين البلدين بتصويت موسكو في مجلس الأمن الدولي في 23 كانون الأول الحالي بالموافقة على القرار 1737 المتعلق بفرض عقوبات مخففة على طهران بسبب برنامجها النووي.
ومع أن التصويت الروسي بحد ذاته كان مزعجاً للإيرانيين، فقد نظرت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية إلى المشاركة الروسية في صياغة مشروع القرار من منظار آخر، ورأت أن “امتناع روسيا عن إدخال أخف العقوبات ضد إيران على القرار جعله عقيماً”.
وقالت الصحيفة الإسرائيلية إن “الولايات المتحدة وأوروبا سمحتا لروسيا باقتطاع أجزاء كبيرة من مشروع القرار، بحيث صدر القرار ضعيفاً وهزيلاً، وفيه ما يشبه العقوبات الدولية.. ومن المستبعد أن يعوق إيران عن صنع الأسلحة النووية”.
في المقابل، توقع المراقبون على الأقل أن تمتنع موسكو عن التصويت “لحفظ ماء وجهها، إن لم يكن باستطاعتها مساعدة الإيرانيين”، وفقاً لصحيفة “كوميرسانت” الروسية.
ويمكن فهم الثمن، الذي تريد الحصول عليه موسكو من واشنطن، من خلال عبارة عابرة ذكرها مسؤول روسي لمصدر إعلامي، مفادها أن الولايات المتحدة أصبحت مدينة لروسيا بإلغاء “تعديل جيكسون ــ فينيك”، الذي فرض قيوداً على التجارة الروسية مع أميركا، والذي أقر عام 1974 للضغط على موسكو، بسبب وضعها القيود آنذاك على الهجرة اليهودية أيام الحقبة السوفياتية.
وفيما كانت طهران تقود معركتها الدبلوماسية بمهارة جعلت الإعلاميين الروس يبحثون عن سرها في صناعة السجاد، التي تُعلّم الإيرانيين “طول البال” وتجعلهم “أفضل الدبلوماسيين في العالم”، كما ذكر المستشرق الروسي فلاديمير أغافونوف، فقد كانت تعوّل في الوقت نفسه على دعم موسكو.
ويفضل المحللون السياسيون تفسير العلاقات الإيرانية ــ الروسية بالمكاسب المادية، التي تجنيها روسيا من إيران. ويتجاهل هؤلاء أن القيادة الإيرانية اتخذت، بعكس بعض الأطراف العربية والإسلامية، موقفاً مبدئياً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ولم تتدخل في سياسة روسيا الداخلية بالنسبة إلى مواطنيها المسلمين، والتزمت منذ بدء الحرب الشيشانية عام 1994 عدم تقديم أي دعم مادي أو سياسي للانفصاليين، وقامت بجهود جبارة عام 1992 في طاجيكستان، التي يتكلم أبناؤها المسلمون السنّة باللغة الفارسية، لتسوية النزاع المسلح الذي اندلع بين المعارضة الإسلامية ونظام الرئيس رحمان نباييف. كما قدمت طهران في بداية التسعينيات مساعدات مادية هائلة لإقليم ناغورنو قره باغ ولأرمينيا، الدولة المسيحية وحليفة روسيا الحقيقية في جنوب القوقاز، وكانت المنفذ الوحيد لهما في زمن الحصار الأذربيجاني والتركي الصعب.
ولذلك، فالسؤال الذي يبقى مطروحاً هو “من مدين لمن؟”.