واشنطن ــ طارق منصور
تزايدت الأخبار السيئة للجمهوريين في الآونة الأخيرة، التي أتى أبرزها من صلب القاعدة المؤيدة لـ«الحزب الجمهوري»، اليمين المسيحي.
تشير استطلاعات الرأي إلى تراجع دراماتيكي في دعم الإنجيليين البيض للجمهوريين. وبحسب استطلاع مجلة «التايم» أول من أمس، أعرب 54 في المئة فقط من الناخبين الإنجيليين البيض عن دعمهم لمرشحي «الحزب الجمهوري» للكونغرس، في مقابل 38 في المئة قالوا إن أصواتهم ستذهب لخصومهم الديموقراطيين.
ويمكن تبيان الواقع الكارثي لهذه الأرقام من خلال مقارنتها بالنتائج التي أظهرتها انتخابات العام 2004 عندما حرك اليمين المسيحي كتلته الناخبة التي تمثل ربع الناخبين الأميركيين على المستوى الوطني، وثلث القاعدة الانتخابية للحزب الجمهوري. في تلك الانتخابات، صوت 78 في المئة من الإنجيليين البيض لمصلحة الرئيس جورج بوش ومرشحي «الحزب الجمهوري».
ويعزو قادة اليمين المسيحي التراجع في حجم التأييد إلى استياء ناخبيهم من مسار الحرب في العراق وروائح الفساد المنبعثة من الكونغرس، بالإضافة إلى فضيحة النائب الجمهوري مارك فولي ومساعي القيادات الجمهورية للتغطية على رسائله الجنسية التي كان يبعث بها إلى المراهقين المنخرطين في برنامج تعليمي يرعاه الكونغرس.
وتركزت جهود التحالف الجمهوري ــ المسيحي على تحفيز الإنجيليين البيض على التوجه الى صناديق الاقتراع لتلافي الاعتكاف عن التصويت، لكن المشكلة التي يظهرها استطلاع «التايم» هي أن ثلث أصوات الكتلة المعنية سيتسرب لمصلحة «الحزب الديموقراطي».
ويعود تاريخ الزواج المقدس الجمهوري ــ المسيحي إلى عام 1979 عندما بدأ اليمين المسيحي يعي الطاقات الانتخابية الكامنة لدى جمهوره، الذي امتنع في السابق عن الانخراط في السياسة خشية إفساد الكنيسة. وبلغت العلاقة ذروتها في الانتخابات الرئاسية لعامي 2000 و 2004.
فخلال الحملة الرئاسية عام 2000، تمكن حاكم ولاية تكساس حينذاك جورج بوش من كسب ثقة الإنجيليين بتقديم نفسه الإنسان المولود من جديد، مصرحاً بأن المسيح هو فيلسوفه المفضل. وجاء قراره بشن الحرب على العراق لينسجم مع رؤية هؤلاء للعالم، القائمة على ثنائيات «نحن وهم»، الخير والشر وأسطورة صدام الحضارات.
اليمين المسيحي شكل احدى دعامات بوش لخوض الحرب على العراق، وقد اظهر استطلاع لمركز «Pew» للأبحاث أن 71 في المئة من الإنجيليين البيض رأوا في أيلول الماضي أن قرار إطاحة الرئيس العراقي السابق صدام حسين كان صائباً. لكن هذا التأييد انحدر الشهر الماضي إلى 58 في المئة فقط. وفسر المركز نتائج استطلاعه بالخسائر البشرية التي يتكبدها الجيش الاميركي وجلها من ابناء الولايات الجنوبية، معقل الانجيليين البيض.
بدأ اليمين المسيحي يستشعر الاستياء لدى قاعدته على اعتاب الانتخابات الحالية، فتحرك على عجل لتحفيزها، وعقد قمتين، واحدة في واشنطن في أيلول الماضي تحت شعار «العائلةــ الايمان ــ الحرية»، وأخرى في بوسطن في تشرين الأول الماضي بهدف ضمان سيطرة الجمهوريين على الكونغرس. وركزت القمتان على الخطر الخارجي المحدق بالوطن والداخلي المحدق بالعائلة. ودعا قادة اليمين المسيحي أنصارهم الى التصدي لزواج مثليي الجنس مثلما تصدوا في السابق لاعتداءات 11 أيلول 2001. وقاموا بإرساء المعادلة الآتية: الإرهابيون يهددون الوطن، فيما يهدد مثليو الجنس العائلة.
ويأمل الجمهوريون إحياء استراتيجيتهم التي نجحت في انتخابات 2004 من خلال تعميم استفتاءات على عدد من الولايات تحظر زواج مثليي الجنس علَّّها تدفع الانجيليين البيض الى التصويت بكثافة مرة اخرى. غير ان الشعور بالاستغلال آخذ بالتنامي بين الانجيليين البيض.
وفي بيان صحافي الشهر الماضي، قال «تحالف الدفاع المسيحي»، الناشط في واشنطن، إن الكثير من الانجيليين يشعرون بأن «الحزب الجمهوري» استغلهم. وبحسب هذا التحالف، يشعر الإنجيليون بأن «الحزب الجمهوري» يتودد لهم في مواسم الانتخابات ويتخلى عنهم في ختامها؛ فالحزب لم يف بوعوده ولم يحرز تقدماً كبيراً في القضايا الملحة. الإجهاض ما زال قانونيا، ومثليو الجنس يحظون باعتراف اكبر، والصلاة تظل محظورة في المدارس الرسمية.
إن خسارة الجمهوريين للانتخابات النصفية اليوم من شأنها أن تمثل، لقادة اليمين المسيحي، انتكاسة لحركتهم الاجتماعية وسعيها لبناء المجتمع الأميركي على صورتها. ويجادل هؤلاء القادة بأنه لا خيار متاحاً سوى «الحزب الجمهوري». ولسان حالهم يقول: «حسناً لم يف الجمهوريون بوعودهم لكن ما البديل، هل نمنح اصواتنا للديموقراطيين الليبراليين مؤيدي حق الإجهاض و مثليي الجنس؟».
والحقيقة، يصعب على قادة اليمين المسيحي تغيير تحالفاتهم ونقل البندقية من الكتف الجمهورية الى الكتف الديموقراطية؛ فالتصويت للجمهوريين يكاد يلامس الواجب المقدس. وقد جرى التعبير عن ذلك عندما شنت مجموعة من رجال الدين الكاثوليك المحافظين حملة بأوامر مباشرة من البابا بنديكتوس السادس عشر قبل تنصيبه، لمنع المناولة عن السياسيين الداعمين لحق الإجهاض، وصولاً الى التأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية الماضية عندما حذروا، في آلاف الرسائل، من ان الناخبين، الذين يصوتون للمرشح الرئاسي الديموقراطي جون كيري، يجازفون بخلاصهم.
لكن يبدو أن الديموقراطيين تعلموا الدرس من انتخابات 2004 لناحية وزن الكتلة الانجيلية واثر الدين المتنامي في السياسة. لذا يسعون في الانتخابات الحالية الى الافادة من اهتزاز ثقة الانجيليين البيض بالحزب الجمهوري وتجييرها لصالحهم.