strong>«إلى متى؟»، يتساءل أهالي الضحايا، فالاحتلال «أدمن الدم الفلسطيني»، ولا من عيون ترى أو آذان تسمع. وبيت حانون، التي «لا تعرف إلا الحزن والحداد»، تحاول لملمة جراحها، وإن كانت تعلم أنها عميقة... عمق المأساة الفلسطينية لا تزال رائحة الدم والبارود تفوح في «مسرح» مجزرة بيت حانون، حيث احتشد آلاف أمس لوداع الشهداء الـ18، وسط هتافات التنديد بالعدوان الإسرائيلي والدعوات إلى الرد على جرائم الاحتلال.
وتدفق آلاف الأشخاص، مستخدمين الحافلات والسيارات وسيراً على الأقدام، على المدينة التي أصبح يطلق عليها اسم “بيت حانون الشهيدة”، للمشاركة في التشييع. وهتفت الجموع الحاشدة التي كانت تلوّح بأعلام مختلف الفصائل الفلسطينية “بالروح بالدم نفدي شهداء بيت حانون”.
وندد المشيعون “بالصمت العربي والدولي حيال المجازر الإسرائيلية المتواصلة ضد أبناء شعبنا”.
وتساءلت ابتسام العثامنة، والدة أحد ضحايا الغارة، “إلى متى ستستمر إسرائيل في قتل أبنائنا وشبابنا وشيوخنا ونسائنا داخل منازلهم وبلداتهم وقراهم؟ وإلى متى ستقدم اعتذاراتها؟”.
وقالت امرأة أخرى كانت تقف الى جانب ابتسام “سنصمد ونتحمل الآلام وسنقاوم هذا المحتل الغاشم حتى تحرير تراب هذا الوطن”، مطالبة «الشعوب العربية والإسلامية بالخروج إلى الشوارع لدعم ومساندة صمود شعبنا، الذي يدافع عن كرامة هذه الأمة».
ووصف أحد المشاركين في التشييع ما حدث في بيت حانون على مدار أكثر من أسبوع قائلاً «على ما يبدو، فإن جيش الاحتلال الصهيوني يحبّ الدم الفلسطيني، بل أصبح مدمناً عليه، وأصبح جنود هذا الجيش يصحون من نومهم كل يوم ليذهبوا ويقتلوا الفلسطينيين».
وقال أبو أحمد، وهو من سكان بلدة بيت حانون، «لكن أقول للجيش ولإسرائيل صبراً، فإن الشعب الفلسطيني لن يسكت على هذه المجزرة البشعة التي ارتكبتها قوات الاحتلال بحق عائلة العثامنة في بيت حانون».
ودفنت الجثامين داخل مقبرة “شهداء مجزرة بيت حانون”، التي أنشئت خصيصاً لدفنهم. ووضعت الجثامين على النعوش، باستثناء الطفلة ميساء (ثلاث سنوات)، التي أصرّ والدها رمزي على حملها بين ذراعيه خلال الجنازة.
وبعد الدفن، انطلقت الأعيرة النارية وهتف المشيعون «الله أكبر»، بينما رفع البعض قبضته في الهواء. وتعهد مسؤول في “فتح” بالثأر من إسرائيل حينما كان يتحدث عبر مكبر للصوت أمام الحشود. وقال عبد الحكيم عوض «أيها القتلة في إسرائيل.. لن تستطيعوا أبداً هزيمة طفل فلسطيني”.
وبدا المئات من سكان البلدة بوجوه حزينة كئيبة وعيون تائهة وزائغة، ينظرون بحسرة إلى أطلال المنازل الستة التي استهدفتها المدفعية الإسرائيلية، وأصحابها نيام. وتساءلت الطفلة أسيل العثامنة (12 عاماً)، بنبرة بريئة، “ما ذنب الأطفال يقتلون بهذه الطريقة الوحشية البشعة؟”.
وعبّرت أسيل، التي فقدت 16 شهيداً من أقاربها، عن خشيتها من تكرار ارتكاب قوات الاحتلال مثل هذه المجزرة البشعة، وقالت “أصبحت لا أستطيع النوم في الليل، وتسيطر عليّ حالة من الرعب كلما تذكّرت المجزرة».
وفي بيت عائلة العثامين، الذي تبدو فيه آثار القصف المدفعي الإسرائيلي، انهارت أمية العثامنة (19 عاماً)، وهي تودّع زوجها سمير (23 عاماً)، الذي وضع جسده الممزق في كيس ولفّ بعلم فلسطيني على نعش.
ورفعت المرأة يديها إلى السماء وهي تتوسل عبثاً إلى قريباتها بأن يأخذوا جثة سمير إلى المستشفى، الذي تعالج فيه رضيعتها الوحيدة والجريحة ملك (عام واحد)، لوداع والدها.
وفجأة تصرخ حياة العثامنة (45 عاماً)، والدة الشهداء الثلاثة عرفات ومحمد ومهدي، وتقول “حسبنا الله ونعم الوكيل..الله ينتقم من اليهود”.
وفي مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا، صرخ محمد (13 عاماً)، الذي بترت يده بعد إصابته بشظايا قذيفة مدفعية، منادياً والدته الجريحة سوزان (31 عاماً) ووالده جمال (33 عاماً)، الذي استشهد في القصف نفسه: “أين أمي؟ أين أبي؟”.
وأثناء التشييع، قال محمد نشوان (23 عاماً)، وهو يسير في الموكب الجنائزي، “هذه المجازر تدفع الناس الى التمسك بالمقاومة والرغبة بالانتقام”.
وفي محيط مسجد “العجمي” الباقي بين عدد من المنازل المهدّمة، حيث أقيمت فيه الصلاة على الشهداء، قال أكرم الكفارنة “لا تعرف بيت حانون إلا الحزن والحداد.. هذا هو الاحتلال ومصائبه”.
وفيما تواصلت ردود الفعل الأولية من فصائل المقاومة الفلسطينية على المجزرة عبر إطلاق الصواريخ المحلية الصنع في اتجاه الأهداف الإسرائيلية، قال المتحدث باسم لجان المقاومة الشعبية، أبو مجاهد، إن «الرد الفعلي على المجزرة سيكون مغايراً هذه
المرة».
ودعا أبو مجاهد، الذي يحتجز تنظيمه بمشاركة “حماس” و“جيش الإسلام” الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط، إلى “تأليف غرفة عمليات مشتركة من كافة الفصائل لتنفيذ عمليات نوعية رداً على المجزرة”.
من جهة ثانية، قال عدنان أبو حسنة، من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، أمس، إن ما شهدته بلدة بيت حانون من مجازر فاق كل التصورات، وخصوصاً أن غالبية سكان تلك المنطقة من المدنيين الفقراء، مطالباً المجتمع الدولي بالتدخل لمنع إسرائيل من مباشرة عملياتها وحماية المواطنين.
وأعربت منظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة (اليونيسيف) عن قلقها من تصاعد حدة العنف في بيت حانون. وقالت، في بيان، “إن التقديرات تشير إلى أن 68 فلسطينياً استشهدوا منذ الأول من الشهر الجاري، بينهم 14 طفلاً”.
وأشار البيان إلى “أن الأطفال والفتيان والفتيات يشكلون أكثر من نصف السكان الفلسطينيين الذين يعيشون تحت حصار مروّع من المحتمل أن تكون له آثار دائمة عليهم، وهم يشاهدون أفراد عائلاتهم يتعرضون للقتل ومدنهم وقراهم تتعرض للتدمير”.
(أ ب، أ ف ب، رويترز،
يو بي آي، د ب أ، الأخبار)


زوج ابنة وزير الخارجية الفلسطيني محمود الزهار، كان أحد الشهداء الذين سقطوا في غارة أول من أمس على سيارة في قطاع غزة. وقالت وكالة أنباء الشرق الأوسط إن الزهار، الموجود في مصر حالياً، رفض العودة إلى غزة وقرر مواصلة جولة خارجية يقوم بها. وكان ابن للزهار قد استشهد في غارة إسرائيلية عام 2003
(رويترز)