مهدي السيد
أرخت مجزرة بيت حانون بظلالها على الصحف الإسرائيلية التي وجهت بغالبيتها انتقادات شديدة إلى الجيش الإسرائيلي الذي لم يتعلم من تجاربه السابقة والذي يواصل مسلسل أخطائه الدموية على حساب المدنيين الفلسطينيين، الأمر الذي أثار جملة من الأسئلة حول صحة وجدوى الخيارات السياسية والعسكرية التي تنتهجها الحكومة والجيش في مقاربة التحديات الأمنية والسياسية التي يواجهانها. تعليقاً على سلسلة الأخطاء المزعومة التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي، رأى المحلل السياسي في «هآرتس»، ألوف بن، أن هذه «السلسلة من الخلل الفني العسكري، التي لم تتوقف منذ الحرب في لبنان في الصيف وبلغت ذروتها أمس في القصف الفتاك على بيت حانون، تدل على أن شيئاً ما يشوبه الخلل في رقابة القيادة السياسية على الجيش الإسرائيلي». وقال فليكس فريش، في «معاريف»، إن «ثمة أموراً يصر الجيش الإسرائيلي على عدم استخلاص العبرة منها حتى وإن كانت مكتوبة بدماء الأطفال الفلسطينيين الأبرياء، وحتى لو ثار العالم ضدنا بسببها وحتى لو أدت إلى شطب الإنجازات التي تحققها العمليات الناجحة. وهذا ما يحصل مع التحقيقات التي أجراها الجيش والتي أظهرت أن جدوى القصف المدفعي متدنية وأن مخاطره مرتفعة».
بدروه رأى المحلل العسكري لصحيفة «هآرتس»، عاموس هرئل، أن كل الجهود التي يقوم بها قادة المؤسسة العسكرية «لإقناع الجميع بأن الجيش الإسرائيلي لغزة هو غير الجيش الإسرائيلي للبنان قد سقطت جراء ما حصل في بيت حانون حيث دلت هذه الحادثة على أن الأمر يتعلق بالجيش ذاته مع كل أخطائه المهنية وقلة حذره التي يعتمدها تجاه مواطني العدو». ووصف هرئل مجزرة بيت حانون بأنها «قانا الفلسطينية» ليس بسبب الشبه القائم في طبيعة المجزرة فحسب، بل لأن بطارية المدفعية التي ارتكبت مجزرة بيت حانون تابعة للكتيبة نفسها التي قتلت مدفعيتها المدنيين اللبنانيين في مجزرة قانا الأولى.
وعلّقت سيما كدمون، في «يديعوت أحرونوت»، على التبرير الذي قدمه الجيش الإسرائيلي لأسباب المجزرة والذي يفيد أنه نجم عن مشكلة التوجيه والضبط الدقيق للمدفعية، فقالت إن ثمة بالفعل مشكلة توجيه وضبط لكنها تتعلق بالجميع، «بانضباط حكومة لا تجد منذ مدة طويلة سبيلاً للتوصل الى محادثة الطرف الثاني. وبالجيش الاسرائيلي، الذي ينجح مرة بعد مرة في توريطنا في أحداث خاطئة لا يجوز أن تحدث. وبدولة تغمض عينيها وتسد قلبها عما يتم على بعد بضع عشرات من الكيلومترات». وأضافت كدمون «ها نحن في الفيلم نفسه مرة أخرى: الاعتذارات الفارغة والمحرجة، التفسيرات غير المقنعة. نطلق النار ونفسر، ونطلق ونعتذر. فمن المخيف أن نفكر في أن خطأً في طباعة الأرقام يمكن أن يحدد مصائر مواطنين بسطاء. ومن المقلق أن يتبين لنا أن لا أحد هنا يتعلم الدرس وهو أنه اذا كان انحراف أو خطأ صغير يستطيع أن يُحدث قتلاً كهذا، فإنه لا ينبغي توجيه المدفع الى مراكز السكان. وإن من يُجيز إطلاق القذائف، فيجب ألّا يعجب اذا استيقظ مع عشرات القتلى».
في المقابل، انبرى المحلل السياسي لصحيفة «معاريف»، بن كسبيت، للدفاع عن المجزرة وتقديم المبررات الأمنية والأخلاقية لها، محمّلاً الفلسطينيين مسؤولية وقوعها. ورأى كسبيت أن «سلوك اسرائيل في غزة معتدل وإنساني وأخلاقي أكثر بكثير مما كان سيفعله جيش أميركي، أو جيش بريطاني، أو جيش روسي» رافعاً هذه المسألة إلى مصاف «الحقيقة التاريخية».
واستحضر كسبيت معادلة العدوان الأخير على لبنان، فقال «مثلما باتوا في لبنان يعرفون الآن أن من يخزّن في بيته صاروخاً من شأنه أن يصاب بصاروخ، هكذا يجب على كل أم عربية في غزة أن تعرف أنه لا يمكن النوم بهدوء في الليل في أي مكان اذا لم ينم أطفال سديروت بهدوء في الليل. والمكان الذي تطلق منه الصواريخ، سيضرب بالصواريخ».