باريس ــ بسّام الطيارة
«عاد الأميركيون إلى... باريس!»، بهذا الشعار كان أميركيو العاصمة الفرنسية يهنئون بعضهم بعضاً بنتائج الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي.
وشهد الحي اللاتيني في باريس حركة تجمع عفوية للعديد من الأميركيين للاحتفال «بعودة الديموقراطية الأميركية».
«نعم نتنفس الصعداء... واوو!» قالها أميركي بلغة فرنسية ملونة بلكنة نيويوركية. وتابع، وهو ينظر إلى صديقته الفرنسية: «منذ حرب العراق وموقف (الرئيس الأميركي جورج) بوش من فرنسا، التي عارضت الحرب، بات صعباً علينا المجاهرة بأميركيتنا في باريس»، قالــــها مبتسماً قبل أن يستطرد «طبعاً إنني أبالغ قليلاً لكن كان ثمة شيء من هذا!».
وتصرخ سوزان «تصور، غيّروا اسم البطاطا في الكونغرس الأميركي! هل يصدق أحد هذا؟!». تدخلت جان قائلة «وزادت الأمور صعوبة عندما ذاعت فضيحة سجن أبو غريب». وأردف وين، وهو رسام يعيش في باريس منذ سنوات: «وغوانتانامو... أشعر بالعار من غوانتانامو».
الأصدقاء المتحلقون حول المتكلمين، بعضهم فرنسيون والبعض الآخر من شتى أنحاء المعمورة، جمعتهم السوربون «وحب اللغة الفرنسية»، الجميع جاء يحتفل «مع أصدقائنا الأميركيين»، لكن الاهتمام كان منصبّاً على «خوسيه الفنزويلي»، الذي شبك يد «خطيبته الأميركية» ووقف بين الزملاء يتقبل التهاني وكأنه رابح الانتخابات الأميركية.
يرى «جون»، وهو باحث في العلوم الاجتماعية، أن هذه الموجة هي «تعبير طبيعي عن الاحتقان الذي عاشه أميركيو باريس منذ وصول المحافظين الجدد إلى البيت الأبيض». ويصف التغيير الذي شهده منذ حط رحاله في فرنسا قبل تسع سنوات، قائلاً «عندما وصلت إلى هنا لم أحس بأي فارق بين ممارسة الديموقراطية في الولايات المتحدة وفي فرنسا»، لكن مع الوقت بدأ الشرخ يتسع بين الديموقراطيتين، فـ«فرنسا طورت ديموقراطيتها الشعبية نحو المزيد من الحرية في مختلف مجالات الحياة، بينما غاصت أميركا في جمود حضاري محافظ كبّل الحريات الفردية قبل أن تأتي تفجيرات ١١ أيلول لتعطي المحافظين سلاح قتل حرياتنا الدستورية». وختم، وابتسامة على وجهه: «أحب أميركا ولا أريد أن أراها مكروهة من العالم بسبب جورج بوش».
نسأل يميناً ويساراً «هل صوَّتّم؟» الجواب واحد: «طبعاً»، الجميع أدى واجبه في مراكز الاقتراع المختلفة وانتظر النتائج مع أصدقائه أمام شاشات نقلت عمليات الفـــرز مبـــاشرة.
حديث المتجمعين يتشعب في كل اتجاه، بعضه جدي يبحث النتائج المترتبة على «هذا التسونامي»، والبعض الآخر يسأل «ما العمل الآن؟».
تجيب كالين، وهي تعمل في شركة علاقات عامة: «اليوم علينا محاولة إفهام الفرنسيين أن أميركا ليست كما يراها بوش». لكن لا أحد يستطيع الإجابة عن سبب عدم التحرك قبل الانتخابات، وإن اتفق الجميع على أن «تبادل الآراء والأفكار مع البعض، والتراشق مع البعض الآخر كان قائماً بواسطة الإنترنت».
ويرافق هذا اعتراف بعدم القدرة على تحدي إدارة أميركية تقول إن «الوطن في خطر!»، رغم «اقتناعنا بأن ذلك لم يكن صحيحاً».
ويأتي الموضوع العراقي ليبيّن أن الانقسام ينعكس أيضاً على مناوئي بوش. فالغالبية ترى ضرورة عدم الانسحاب «حتى لا نترك العراق للمتطرفين»، وإن اتفق الجميع على مسؤولية واشنطن في الوصول إلى هذا الوضع.
وهنا يصرخ أميركي أسود يحمل صورة الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز «نحن المسؤولون، نعم خرّبنا العراق... أميركا تمثّل خطراً على العالم... وعلى البيئة». ويجيبه صدى المؤيدين بـ«ياه!»، يعقبه صدى غير موافق بـ «هووووو!» قبل أن يتفرق أميركيو باريس وأصدقاؤهم ويختفوا في حانات أحياء باريس القديمة.
إنها الديموقراطية الأميركية في رحاب ديموقراطية فرنسا.