باريس ــ بسّام الطيارة
تضج الصحافة والإعلام الفرنسي بأخبار تنافس المرشحين الاشتراكيين على الترشّح للانتخابات الرئاسية وتتداول خفايا الصراع في الحزب الحاكم بين مؤيدي الرئيس الفرنسي جاك شيراك ووزير داخليته نيكولا ساركوزي، بينما ترتفع، بعيداً عن الأضواء، حظوظ مرشح أقصى اليمين جان ماري لوبان بالوصول إلى الدور الثاني، كما كانت الحال عام ٢٠٠٢.
وتشير كل الاستطلاعات إلى تقدم ملحوظ للوبان لدى الطبقات الناخبة كافّة. وبحسب آخر استطلاع لـ«سي إس بي» المتخصصة، فإن نسبة تأييد ممثل اليمين المتطرف تصل إلى ١٥ في المئة على الصعيد الوطني.
وفي تحليلات لمتخصصين في الشؤون الانتخابية، فإن الخطر الذي يتهدد المرشحين الكلاسيكيين ليس في هذا الرقم الذي هو كبير بحد ذاته، بل بتفاصيل هذا التأييد حسب الفئات المهنية المختلفة.
وتصل نسبة التأييد إلى ٢٣ في المئة لدى المستخدمين والموظفين الصغار، بينما هي ٢٩ في المئة لدى فئة العمال.
ولعل الرقم الذي يجب أن يثير حساسية اليمين التقليدي هو بدء انتشار تأييد لوبان في صفوف المزارعين (١٣ في المئة)، وهي ظاهرة جديدة حيث إن الفئة الزراعية كانت منذ سنوات طويلة «حقل نفوذ شيراك».
يقول أحد المراقبين إن الجديد في هذه الأرقام هو أنها في «تقدم مستمر بالنسبة إلى انتخابات عام ٢٠٠٢»، حيث كان لوبان حاضراً في الدور الثاني، علماً أن الجبهة الوطنية، أي حزب لوبان اليميني، يتصاعد انتخابياً في الخمسة عشر يوماً الأخيرة قبل الانتخابات، بحسب العديد من الدراسات.
ويفسر البعض هذا التطور بابتعاد الناخب الفرنسي عن السياسة «بمفهومها التقليدي»، في غياب جدال سياسي يأخذ بالاعتبار «هموم المواطن الفرنسي» ويقترح حلولاً لمشاكله اليومية. ويقول أحد الخبراء إن المواطن الفرنسي بات يرى، بشكل عام، أن الطبقة التي تتداول الحكم في فرنسا منذ أربعة عقود أصبحت «مفلسة من ناحية الأفكار الجديدة»، وقد انكسر عقد الثقة بينها وبين المواطنين.
ويصف المراقبون «الناخب اللوبيني» بأنه «ناخب احتجاج»، لهذا يجيب معظم المُستطلعين بأنه «الوحيد الذي لم نجربه!». ولهذه الحجة وقع كبير في الطبقات الشعبية والمتوسطة.
ويتساءل البعض كيف يمكن التصدي «للموجة اللوبينية» في الأشهر الخمسة التي تنتظر الانتخابات المقبلة؟ يبدو السؤال وجيهاً، إذ إن استراتيجية «تصوير لوبان بالشيطان» لم تعد تجدي، ولم يعد يفعل فعله التهديد بخط «لا ديموقراطية لوبان» لدى الرأي العام الفرنسي، وخصوصاً أن رئيس الجبهة الديموقراطية يؤدي جيداً دور «الضحية» الذي يدفع ثمن تقاسم الأدوار بين اليمين الكلاسيكي واليسار.
ويشير البعض إلى أن لوبان، الذي «خبر بعد سنوات» دور الإعلام في إبعاد شرائح كبيرة من الفرنسيين عن تياره، بات حريصاً على الإقلال من التصريحات المعادية لليهود والعرب، وابتعد كثيراً عن التصريحات الشوفينية الموجهة ضد المهاجرين والأجانب. كما أنه حتى الآن لم يخض أي نقاش في السياسة الخارجية والمسائل الكبرى، التي تهم الفرنسيين مثل العولمة ومساعدة الدول الفقيرة.
ويرى البعض أن «مقاطعة لوبان الانتخابية» والتقوقع داخل الأحزاب الكلاسيكية يفيده أكثر مما يضره، إذ إنه بذلك يخفي الكثير من نقاط ضعف برنامجه الانتخابي المركّز حول طروحات شعبوية في المسائل الداخلية بعيداً عن الدور الخارجي، الذي يريده المواطنون الفرنسيون لفرنسا.