لندن | حتى الساعات الأخيرة، قبل فتح أبواب مراكز الاقتراع للناخبين البريطانيين، يوم الخميس، كانت التوقعات تتراوح بين القول بعجز أي حزب عن الحصول على غالبية تكفي لتشكيل الحكومة، حتى ضمن تحالف مع حزب آخر، ما قد يدفع باتجاه إعادة الانتخابات، وصولاً إلى توقع فوز حزب المحافظين ــ بزعامة رئيس الوزراء الحالي ديفيد كاميرون ــ بأكبر عدد من المقاعد، ولكن من دون الحصول على غالبية تكفيه لتشكيل حكومة، ما يعني حتمية تشكيل ائتلاف مع حزب آخر، كما حصل في المرة الماضية.
فمن مقاعد مجلس العموم البالغة 650 مقعداً، يحتاج أي حزب للفوز على الأقل بالنصف زائداً واحداً، أي 326 مقعداً، ليتمكن من تشكيل الحكومة المقبلة وحده. لم يتمكن حزب المحافظين من الفوز بهذه الغالبية في انتخابات عام 2010، حين حصل على 306 مقاعد، فاضطر إلى الدخول بتحالف مع حزب الليبراليين الديموقراطيين، الذي فاز يومها بـ 57 مقعداً، ليتمكن التحالف من تشكيل الحكومة.
سبب فشل حزب العمال رغبته في التحالف مع الحزب الوطني الاسكتلندي الداعي إلى الاستقلال

ولكن النتائج التي ظهرت عند فزر الأصوات، يوم الجمعة، حملت مفاجآت عدة. المفاجأة الكبرى، بطبيعة الحال، هي فوز المحافظين بالغالبية الكافية لتشكيل الحكومة بمفرده. فاز المحافظون بـ 331 مقعداً، متقدمين بـ 25 مقعداً عن الانتخابات الماضية في عام 2010. جاء تقدم المحافظين، بالدرجة الأولى، على حساب حزب العمال؛ حيث حافظ المحافظون على سيطرتهم في معظم الدوائر الانتخابية التي صوتت لهم في الانتخابات الماضية وفازوا في دوائر انتخابية أخرى، كانت حكراً على حزب العمال وحزب الليبراليين الديموقراطيين. فوز حزب المحافظين بهذه الغالبية هو الأول، منذ الانتخابات العامة في عام 1992، عندما قاد جون ميجر حزب المحافظين للفوز بـ 336 مقعداً. دفع هذا الفوز ديفيد كاميرون إلى الإعلان، بعد لقائه الملكة إليزابيث، ظهيرة يوم الجمعة، أن المحافظين سيشكلون الحكومة المقبلة منفردين.
المفاجأة الثانية تمثلت بتراجع حزب العمال، الذي كان قد فاز في عام 2010 بـ 258 مقعداً، ليحصل الآن على 232 مقعداً فقط. حافظ حزب العمال على مقاعده في شمال المملكة المتحدة، باستثناء اسكتلندا، حيث تشتهر المدن هناك بأنها مدن صناعية تملك فيها النقابات العمالية والمهنية نفوذاً كبيراً، كما يملك حزب العمال مؤيدين كثيرين فيها. وبالرغم من أن حزب العمال نجح في انتزاع فوز في بعض الدوائر الانتخابية الجديدة، وتحديداً في لندن، إلا أنه خسر دوائر انتخابية عديدة كانت له في الدورات الانتخابية الماضية لصالح حزب المحافظين، وخسر كامل مقاعده في اسكتلندا لصالح الحزب الوطني الاسكتلندي. دفع هذا الفشل رئيس الحزب، إيد ميليباند، إلى تقديم استقالته. ميليباند الذي كان أحد أبرز مخططي النجاح الساحق، الذي أوصل طوني بلير إلى رئاسة الوزراء، في انتخابات عام 1997، فشل في تحقيق فوز مشابه لنفسه اليوم.
يقول محللون إن السبب الرئيسي لفشل حزب العمال هو رغبته في التحالف مع الحزب الوطني الاسكتلندي الداعي إلى استقلال اسكتلندا، الأمر الذي استغله المحافظون هذا ضدهم، بالقول إن العمال متهاونون مع فكرة تحطيم الاتحاد الذي يشكل المملكة المتحدة.
المفاجأة الثالثة هي فوز الحزب الوطني الاسكتلندي بالغالبية الساحقة في المقاعد المخصصة لاسكتلندا، والبالغة 59 مقعداً، حيث فاز الحزب الوطني الاسكتلندي بـ 56 مقعداً، متقدماً بـ 50 مقعداً عن انتخابات عام 2010. تقدم الحزب الوطني الاسكتلندي على منافسيه كان متوقعاً، ولكن عدد المقاعد النهائي تخطى كل التوقعات وجاء بمثابة زلزال سياسي، سواء في اسكتلندا أو في المملكة المتحدة عموماً. يعني هذا الفوز استمرار صعود الروح الوطنية الاسكتلندية ومعها، بطبيعة الحال، النزعة الاستقلالية، فهذا الحزب كان من دعاة الاستقلال عن المملكة المتحدة، ولكنه فشل في الاستفتاء الذي جرى في الصيف الماضي حول استقلال اسكتلندا. يعتبر بعض المحللين السياسيين أن أحد أهم أسباب التقدم الساحق لحزب المحافظين، هو امتعاض الناخبين البريطانيين من التقدم المتوقع للحزب الوطني الاسكتلندي، ونزعة الاستقلال الاسكتلندي، واعتبارهم حزب المحافظين كضامن لاستمرار المملكة المتحدة بصيغتها الحالية. بعض المتحدثين باسم حزب المحافظين ذهب إلى القول إن ديفيد كاميرون ظهر بمظهر «حامي وشافي» المملكة المتحدة، في إشارة إلى نجاح حكومة كاميرون في تجاوز عواقب الأزمة الاقتصادية العالمية، في عام 2008، وإفشال استفتاء استقلال اسكتلندا، في حين علّقت رئيسة الحزب الوطني الاسكتلندي، والوزير الأول في اسكتلندا، نيكولا سترجيون، على هذه المزاعم بالحديث عن إخفاق حزب العمال في إقناع الناخبين الاسكتلنديين بقدرته على الفوز، وتلبية طموحات الاسكتلنديين، وهو ما دفع هؤلاء الناخبين إلى التصويت للحزب الوطني الاسكتلندي.
المفاجأة الرابعة كانت التراجع الهائل لحزب الليبراليين الديموقراطيين الذي حصل على 8 مقاعد فقط، متراجعاً من 57 مقعداً حصل عليها في الانتخابات الماضية، كانت قد جعلته في المرتبة الثالثة بعد المحافظين والعمال، ومكّنته من الدخول في تحالف تشكيل الحكومة مع المحافظين.
خسر الليبراليون الديموقراطيون عشرات المقاعد، ذهب معظمها إلى حزب العمال، وخسروا معها أي أمل في الحفاظ على حقائبهم الوزارية في الائتلاف مع المحافظين. هذه الخسارة الهائلة دفعت قائد الليبراليين الديموقراطيين، نيك كليغ، إلى تقديم استقالته هو الآخر، قبل اكتمال فرز الأصوات وإعلان النتائج النهائية.
المفاجأة الخامسة قدمها حزب «استقلال المملكة المتحدة»، المعروف باسم UKIP، والذي فاز بمقعد واحد فقط في هذه الانتخابات. ولكن المفاجأة هي أن هذا الحزب حصل على 12.6% من إجمالي أصوات الناخبين، أي أكثر من الحزب الوطني الاسكتلندي والليبراليين الديموقراطيين، مجتمعين، وللمقارنة فقد حصل حزب المحافظين على 36.9% من إجمالي الأصوات. دفعت هذه النتائج بالمحللين إلى القول إن حزب UKIP قد يصنع مفاجأة كبرى في الانتخابات المقبلة، عام 2020. وللتوضيح فقد وصل مرشحو هذا الحزب إلى المرتبة الثانية في 120 دائرة انتخابية وإلى المرتبة الثالثة في أكثر من 360 دائرة انتخابية، ما يعني أن هامشاً صغيراً فصل هذا الحزب عن احتلال المرتبة الثالثة في الانتخابات بقرابة 100 مقعد، قد يحصل عليها عام 2020. رئيس الحزب، نايجل فاراج، استقال عقب إعلان النتائج.
حصلت الأحزاب الأربعة الكبرى: المحافظون، العمال، الوطنيون الاسكتلنديون والليبراليون الديموقراطيون على 627 مقعداً من أصل 650 مقعداً، وتوزعت المقاعد الباقية على أحزاب صغيرة مثل «الحزب الاتحادي الديموقراطي»، حزب «شين فين» الإيرلندي، وحزب مقاطعة ويلز «بلايد كمري»، وحزب «الخضر» وحزب «استقلال المملكة المتحدة». قد لا تكون هذه الأحزاب معروفة بالنسبة إلى القارئ العربي، ولكن العرب يعرفون، بكل تأكيد، جورج غالوي، عضو البرلمان البريطاني، بشكل متواصل، منذ عام 1987، الذي أخفق في الاحتفاظ بمقعده في هذه الانتخابات.




الحكومة البريطانية المقبلة

فوز حزب المحافظين بالأغلبية، يمكنه بالطبع من تشكيل الحكومة وحده لتكون حكومة أغلبية صغيرة. ولكن هناك من يتخوف من أن تواجه هذه التجربة المصير نفسه لتجربة جون ميجر، عندما شكل المحافظون الحكومة منفردين، بالاعتماد على أغلبية صغيرة في البرلمان البريطاني، فكانت تلك السنوات الخمس، 1992-1997، مريرة بالنسبة إلى المحافظين الذين وجدوا أنفسهم محاربين من قبل كل الأحزاب البريطانية الأخرى، كما تعرضوا للابتزاز في كل مرة كانوا يحاولون فيها إمرار قانون عبر البرلمان. انتهت تجربة المحافظين، يومها، بخسارة انتخابات عام 1997 لصالح العمال، الذين احتكروا السلطة على مدى الأعوام الثلاثة عشر التالية.
يُطمئن المحللون السياسيون، المحسوبون على حزب المحافظين، بأن تجربة حكومة جون ميجر كانت نتيجة ظروف مختلفة تماماً، فالمحافظون خسروا انتخابات عام 1997، بعدما حكموا البلاد منفردين لثمانية عشر عاماً، عانت خلالها البلاد أزمات متعددة. كما كانت التسعينيات فترة صعود لحزب العمال بفضل زعامته الجديدة، أما اليوم فحزب العمال في حال تراجع، إضافة إلى أن المحافظين لا يحتاجون في الفترة المقبلة إلى إمرار الكثير من القوانين عبر البرلمان، ما يقلّل من احتمال تعرضهم للابتزاز أو تقديم تنازلات.