أزمات العراق تتوالى وتتفاقم، وآخرها المذكرة الصادرة بحق حارث الضاري. حكومة نوري المالكي تقول إنه لا يد لها فيها، مع أنها صدرت عن وزارة الداخلية و«هيئة العلماء» تطالب باستقالتها. فهل تكون الأزمة الحالية رصاصة الرحمة التي ستودي بالمصالحة الوطنية؟
دخل العراق أمس في أزمة جديدة، تهدد بتقويض المصالحة الوطنية، المتعثرة أصلاً، وسعت الحكومة إلى التخفيف من حدتها، بإعلانها أن مذكرة الاعتقال التي صدرت أول من أمس بحق الأمين العام لهيئة علماء المسلمين الشيخ حارث الضاري، الموجود في عمان، بتهمة «التحريض على العنف الطائفي»، هي للتحقيق لا للاعتقال، في خطوة تأتي بعد عاصفة من الاحتجاجات، بلغت حد المطالبة باستقالة الحكومة، لكنها لم تمنع صدور مواقف مؤيدة للاعتقال.
ورفض الضاري، رئيس أكبر هيئة ممثلة للسنة في العراق، امس، أي مذكرة صادرة عن الحكومة العراقية «سواء أكانت مذكرة توقيف أو تحقيق»، معتبراً أنها «إجراء لا شرعي ولا وطني ولا قانونيوقال الشيخ السني، في تصريحات للصحافيين في عمان: «لا أعدّ القرار شرعياً وهو لن يزيد الحكومة الا ابتعاداً عن الشعب»، مضيفاً «لست متهماً بجريمة حتى يحققوا معي». وتابع «إنني بالنسبة لهم موضع اتهام سواء سحبوا مذكرة التوقيف أو لم يسحبوها».
وعما اذا كان ينوي العودة الى العراق، اجاب الضاري: «سأعود الى العراق في الوقت المناسب، رغم أنف من يعارض ذلك».
وردّاً على سؤال عما اذا كانت الحكومة الاردنية قد طلبت منه مغادرة أراضيها، قال الضاري «المسألة في بدايتها. لا نعتقد أن الاردنيين سيضايقوننا. اما اذا رأوا ان من مصلحتهم أن نغادر، فإننا سنغادر اليوم قبل غد».
وأفاد مصدر حكومي اردني بأن السلطات الاردنية لم تتلقّ اي طلب من العراق في شأن وجود الضاري على الاراضي الاردنية.
وكان المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية العراقية قد أعلن في وقت سابق أمس، أن الضاري «خرق بنود قانون مكافحة الارهاب ولدينا شهود ضده وأدلة مثبتة وردت في مذكرة التوقيف التي اطّلع عليها احد القضاة ووقعها». وأكّد أن «المذكرة الصادرة عن السلطات هي مذكرة استرداد أيضاً، وسنجلبه اينما كان».
إلا أن المتحدث باسم الحكومة العراقية علي الدباغ، نفى إصدار الحكومة مذكرة اعتقال بحق الضاري، موضحاً، في اتصال هاتفي مع قناة «العربية» الفضائية، أن وزارة الداخلية العراقية لم تصدر «مذكرة اعتقال» بل «مذكرة تحقيق»، ومشيراً إلى أن «القانون فوق الجميع ولا حصانة لأحد».
وقال الدباغ «هناك ملفات قيد التحقيق ومذكرة تحقيق متعلقة بنشاطات الشيخ الضاري، لكن لم يجر بتّ هذه الملفات حتى الآن». وأضاف ان «اي قرار لاحق في هذا السياق مرهون بقرار القضاء بعيداً عن اي اعتبار سياسي».
وفي هذا السياق، أوضح نائب رئيس الوزراء العراقي برهم صالح، لقناة «العربية» الفضائية، أن المذكرة صدرت عن القضاء العراقي لا عن الحكومة. وأضاف أن «هناك بعض القضايا رهن التحقيق والامر يرجع للقضاء العراقي في اتخاذ القرار».
وعقب الاعلان عن المذكرة، توالت ردود الفعل في العراق وخارجه، وجاء أبرزها من هيئة علماء المسلمين، التي طالبت القوى المشاركة في العملية السياسية بالانسحاب من البرلمان ومن الحكومة.
وقالت الهيئة في بيان، إن «موقفنا المستقبلي من هذه الأطياف سيحدده موقفها من المذكرة (بحق الضاري)». وأضافت «في الوقت الذي تدين فيه الهيئة هذه الأعمال، فإنها تطالب ابناء الشعب بالتزام الهدوء وضبط النفس لأننا على يقين أن هذه الاجهزة التي خانت واجباتها الوطنية مستعدة اليوم لتمارس الثأر والانتقام بحق الغيارى من ابناء وطننا».
ورأت الهيئة أن «الحكومة الحالية، بعد ما ارتكبته من جرائم وفضائح، لم يعد وجودها مسوّغاً، وعليها أن تستقيل قبل ان يقيلها الشعب العراقي بنفسه».
كما استنكر العديد من المرجعيات السنية صدور مذكرة بحق الضاري، وطالبوا الحكومة بالتراجع عن هذا القرار.
ورأى الحزب الاسلامي العراقي (سني)، الذي يتزعمه نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي، أن إصدار مذكرة توقيف بحق الضاري هو «اطلاق رصاصة الرحمة على مبادرة المصالحة الوطنية والحوار وإثبات للنهج الطائفي الذي تنتهجه الحكومة». بدوره، قال «المؤتمرالعام لأهل العراق» الذي يتزعمه عدنان الدليمي، إنه يرفض «اي محاولة للمساس بالشيخ الضاري لكونه رمزاً دينياً كبيراً».
وندّد عدد من خطباء المساجد السنية، خلال خطبة الجمعة، بالمذكرة الصادرة بحق الضاري.
في المقابل، وصف امام الحسينية الفاطمية في النجف صدر الدين القبانجي، خلال خطبة الجمعة، الضاري بأنه «رمز الفتنة» و«شيخ اللصوص». وقال القبانجي أمام آلاف المصلّين في حديثه عن «ايجابيات لمصلحة» العراق، إن «الحكم على حارث الضاري بالاعتقال يمثل سقوطاً لشخص أراد أن يفرض نفسه على الشارع السني، وهذا الشخص هو رمز الفتنة».
من جهة اخرى، أوضح القبانجي أن «موقف مجلس إنقاذ الأنبار هو موقف مشرّف للعشائر بالتخلص من فلول الارهابيين، بينما الضاري يصف هذه العشائر العربية الاصيلة بأنها مجموعة لصوص وقطّاع طرق لكنه هو شيخ اللصوص».
وفي دمشق، دان مجمع الشيخ احمد كفتارو الاسلامي في سوريا امس، مذكرة الاعتقال معتبراً أنها «خرق لوحدة الصف التي يمثل الضاري احد رموزها».
وكان الرئيس جلال الطالباني قد اتهم الضاري، الاربعاء الماضي، بإثارة الفتن الطائفية والقومية، معرباً عن «الأسف الشديد» لوجود «بعض البلدان التي تعمل على مساعدته».
ميدانياً، قتل ستة أشخاص في هجمات متفرقة وقعت في بعقوبة وكركوك والكوت أمس.
وأعلن مصدر في الشرطة امس مقتل مدني بريطاني وأربعة عراقيين وجرح غربي آخر، في تبادل لإطلاق النار في بلدة الزبير الجنوبية، إثر دخول سيارة تقل اجانب الى العراق بصورة غير شرعية. كما عثر على 14 جثة مجهولة الهوية في أحياء متفرقة من بغداد. وأعلن الجيش الاميركي امس مقتل احد جنوده في ديالى اول من امس.
وأفاد مصدر أمس، بأن مسلحين يرتدون زي رجال الشرطة اختطفوا، أول من أمس، نمساوياً وأربعة اميركيين يعملون حراس امن في شركة خاصة. وفي وقت لاحق، أعلن الإفراج عن اثنين منهم، من دون تحديد جنسيتهما.
إلى ذلك، أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش، الذي يزور فيتنام للمشاركة في «منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي» (أبيك)، أن «تجربة فيتنام دليل على أن الأمر سيستغرق بعض الوقت لحل أزمة العراق وهزيمة المتشددين الإسلاميين».
وأضاف بوش، للصحافيين في هانوي أمس: «أحد الدروس هو أننا عادة نميل إلى تحقيق نجاح سريع في العالم، والمهمة في العراق ستستغرق بعض الوقت».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز،
يو بي آي، د ب أ، أ ب)