حسام كنفاني
المتعارف عليه في الأنظمة الديموقراطية في العالم أن العسكر عادة ما يكونون رمزاً للاستبداد، وبداية لانهيار أركان الأنظمة الديموقراطية، فالفكرة المسبقة عن الشخصية العسكرية، غالباً ما تكون رمزاً للديكتاتورية والقمع، إلا أن عسكر موريتانيا قدّم صورة مختلفة تماماً عما هو مألوفاً، مؤسساً لانطلاقة ديموقراطية في البلاد لم تعرفها منذ استقلالها

أول انتخابات منذ الانقلاب على ولد الطايع تمهّد لعودة الحياة المدنية


خلافاً للانقلابات العسكرية في دول العالم أجمع، التي عادة ما تودي بالبلاد إلى حقبة طويلة جداً من الأحكام العرفية وقوانين الطوارئ وقمع الحريات وتعليق العمل التشريعي، كان النموذج الموريتاني فريداً، فمنذ انقلاب العقيد علي ولد محمد فال في آب 2005، خطت موريتانيا خطوات واسعة نحو تثبيت وترسيخ النظام الديموقراطي.
وفي زمن الحديث الأميركي عن الإصلاحات في الدول العربية، والسجال بين الأنظمة والمعارضة حول التغيير من الداخل أو الخارج، يقدّم المجلس العسكري الحاكم مثالاً على القدرة على إحداث تغييرات جذرية، من دون شبهة الدعم الخارجي، التي تلاحق العديد من قوى المعارضة العربية، ومن دون سيف التدخل العسكري، الذي كان في مرحلة ما مسلطاً فوق رؤوس الدول الموضوعة على جدول أعمال الإدارة الأميركية.
ومنذ إطاحة الرئيس الموريتاني السابق معاوية ولد الطايع في الانقلاب غير الدموي، عندما كان يحضر مراسم تشييع الملك السعودي فهد بن عبد العزيز في الرياض، قام مجلس الحكم العسكري، برئاسة ولد فال، بسلسلة إجراءات، كانت الانتخابات التشريعية والبلدية، التي جرت أول من أمس، أحدثها لكن ليس آخرها؛ فجدول الانتقال الديموقراطي لمجلس الحكم العسكري لا يزال حافلاً بالاستحقاقات الدستورية، وأهمها انتخابات الرئاسة المقررة في آذار 2007.
وأول ما ميّز وصول العسكريين إلى السلطة عام 2005، كان تعهّد ولد فال بإعادة الحكم إلى الشعب عام 2007 وعدم الترشّح إلى أي منصب في الإدارة المدنية الجديدة، إلا أنه أصدر ميثاقاً دستورياً علّـق بموجبه العمل ببعض بنود دستور البلاد، واحتفظ المجلس العسكري لنفسه بالسلطة التشريعية والتنفيذية، بعدما أعلن عن حل البرلمان، الأمر الذي أثار تشكّكاً كبيراً بين المراقبين في موريتانيا وخارجها في حقيقة نيات المجلس الانقلابي، أعاد إلى الأذهان انقلاب الجنرال برويز مشرّف في باكستان، وترشيح نفسه رئيساً لها، بعد وعود مشابهة أطلقها لدى قيامه بالانقلاب على رئيس الحكومة نواز شريف في تشرين الأول عام 1999.
ولهذه المخاوف ما يبررها في السياق التاريخي الموريتاني الحافل بالانقلابات، فموريتانيا عرفت أول انقلاب عسكري في تاريخها في تموز عام 1978، عندما أطاح الجيش بقيادة محمد ولد السالك الرئيس الراحل المختار ولد داده. وتعهّـد القادة العسكريون حينئذ بإرساء ديموقراطية حقيقة، إلا أن البلاد لم تشهد منذ ذلك الحين تداولاً سلمياً للسلطة، ففي 1984، أطاح العقيد معاوية ولد الطايع نظام ولد هيداله الذي كان يحكم منذ 1980. وانتخب ولد الطايع رئيساً في 1992 ثم أعيد انتخابه في 1997 و2003.
هذه المخاوف دفعت رئيس المجلس العسكري إلى اتّـخاذ قرارين، عدّهما المراقبون قطعاً للطريق على تلك الشائعات، كان أولهما، تقليص مدة المرحلة الانتقالية من سنتين إلى تسعة عشر شهراً، وإصدار قانون يفرض عدم أهلية رئيس وأعضاء المجلس العسكري، وكذا رئيس الوزراء وأعضاء حكومته للترشح لكل الانتخابات التي ستُـنظم خلال الفترة الانتقالية، بما في ذلك الانتخابات البلدية والبرلمانية والرئاسية.
وأولى خطوات التغيير الديموقراطي، التي اتخذها المجلس العسكري، كانت إجراء تعديلات دستورية والتصويت عليها في استفتاء في حزيران 2006. وتنص التعديلات على تقليص ولاية رئيس الجمهورية إلى خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، أي إنه منع على أي رئيس مستقبلي للبلاد أن يحكم لأكثر من عشر سنوات.
وحتى لا يقدم أول جالس على كرسي الرئاسة على تغيير الدستور وتمديد ولايته، نصت التعديلات على يمين يؤدّيها الرئيس قبل تسلمه لمهماته، ويقسم بموجبها على ألا يغيّـر أو يدعم تغيير المواد الدستورية المتعلّـقة بولاية رئيس الجمهورية أو تجديدها. كما سحب الدستور الجديد من البرلمان صلاحية الدعوة إلى أي استفتاء شعبي لتغيير تلك المواد، ووضع حدّاً زمنياً لعمر رئيس الجمهورية حصره في الأعوام الـ35 الواقعة بين عمر الـ40 والـ75.
ومن ميزات الديموقراطية الجديدة في موريتانيا أيضاً عودة الإسلاميين من جديد الى اللعبة الديموقراطية، بعدما استبعدوا من الحياة السياسية الموريتانية منذ استقلال البلاد في 1960. كما تعد موريتانيا من الأنظمة العربية القليلة التي خصصت نسبة 20 في المئة للنساء في المجلس التشريعي ومجالس البلديات، وهو ما نصت عليه تعديلات الدستور المصوت عليها.
وتكاد موريتانيا اليوم تكون البلد الوحيد في العالم الذي يعيش تنافساً ديموقراطياً من دون مشاركة «فريق حاكم».
وهكذا، يبدو أن العسكر وفوا بتعهداتهم، والمرحلة الانتقالية لولايتهم على وشك أن تنتهي بوضع موريتانيا على السكة الديموقراطية، وطي صفحة الانقلابات العسكرية، ليسجل التاريخ لقيادة عسكرية تأسيسها لحكم مدني صريح، شرط ألا ينصّب العسكر بعد ذلك أنفسهم حماة للدستور والحياة المدنية، ما يجعلهم حكّاماً عسكريين من خلف الستار، كما هي حال تركيا.
إلى اليوم لا يبدو المجلس العسكري ذاهباً في هذا الاتجاه، وبرنامجه الطوباوي بلا شك مثال يحتذى، ويستحق الإعجاب والتقدير.



تقدّّم حزب ولد الطايع
وجبهتي معارضة سابقتين

أظهرت نتائج فرز جزئية للأصوات في الانتخابات التشريعية والبلدية الموريتانية، تقدّم حزبين من المعارضة السابقة والحزب الحاكم السابق.
وقال مصدر في وزارة الداخلية إن “نتائج غير نهائية لا تزال تردنا تباعاً، تفيد بأن حزبين كبيرين من تحالف قوى التغيير الديموقراطي (ثمانية احزاب معارضة سابقاً) والحزب الجمهوري من اجل الديموقراطية والتجدد (الحزب الحاكم سابقاً) تتقدم في منطقتي نواكشوط وترارزا (جنوب غرب)”، اللتين تضمان اكبر عدد من الناخبين.
وأوضح أن الحزبين المعنيين في تحالف قوى التغيير الديموقراطي هما “التحالف الشعبي التقدمي”، وتجمّع القوى الديموقراطية بزعامة احمد ولد دادا المعارض للنظام السابق.
وأعلن مسؤول في وزارة الداخلية الموريتانية أن الانتخابات التشريعية والبلدية شهدت إقبالاً من الناخبين وصل حتى حدود الـ 70 في المئة.
(ا ف ب)



أبرز الأحزاب المتنافسة
تنافس نحو ثلاثين حزباً سياسياً وتجمعان مستقلان كبيران في الانتخابات التشريعية والبلدية التي جرت أول من أمس في موريتانيا.
وتملك خمسة تشكيلات فرصاً كبيرة للفوز في الاقتراع هي:
¶ تكتل القوى الديموقراطية: إصلاحي. إحدى أهم حركات المعارضة في عهد نظام الرئيس معاوية ولد الطايع. يؤكد في برنامجه أنه يملك حلاً “لمعادلة بلد غني وسكان فقراء” عبر “إدارة صارمة للموارد وتوزيع عادل للثروات”. يقوده المعارض السابق أحمد ولد داداه.
¶ حزب التحالف الشعبي التقدمي: تحالف لحركات “الحراتين” (العبيد السابقون) لمكافحة العبودية، والقوميين. يتمتع بشعبية كبيرة بين الطبقات المحرومة. يتعهد إخراج الجمعية الوطنية (البرلمان) من دور مجرد “غرفة تسجيل”، والذي منح لها في عهد النظام السابق. يقوده مسعود ولد بلخير.
¶ اتحاد قوى التقدم: توجهاته اشتراكية. يعد بسياسة اجتماعية يمكن أن تحمي الطبقات الضعيفة وتسمح بظهور طبقة متوسطة. زعيمه محمد ولد مولود، ناشط سابق في حركة “كاديهين” الماركسية اللينينية التي أُسست في السبعينيات.
¶ الحزب الجمهوري للديموقراطية والتجديد: الحزب الحاكم سابقاً، يبقى من القوى السياسية المهمة في البلاد. قام بنقد ذاتي واسع خلال الحملة الانتخابية، وأعلن أنه نجح في “تجاوز كل ثغرات الماضي”.
¶ مجموعة الإصلاحيين الوسطيين: تجمع لمرشحين إسلاميين مستقلين لم يسمح لهم بتشكيل حزب.



بطاقة تعريف بموريتانيا
¶ الموقع الجغرافي: تبلغ مساحة موريتانيا مليوناً و30 ألف كيلومتر مربع، تؤلف الصحراء ثلثيها. وتقع على المحيط الاطلسي وتحدها السنغال ومالي والجزائر والصحراء الغربية.
¶ السكان: 3.1 ملايين نسمة. يمثّل المور نحو ثمانين في المئة من السكان، والافارقة السود 18 في المئة.
¶ العاصمة: نواكشوط (700 الف نسمة).
¶ اللغة الرسمية: العربية. وتستخدم اللغة الفرنسية بشكل واسع.
¶ الديانة: الاسلام (99 في المئة). اعتمدت الشريعة الاسلامية في 1980 لكنها لم تطبق.
¶ الاقتصاد: اصبحت موريتانيا في شباط 2006 دولة منتجة للنفط مع بدء استثمار حقل شنقيط قبالة سواحل نواكشوط. وتكوّن المناجم (الحديد والنحاس والفوسفات) قطاعاً مهماً للاقتصاد. اما القطاعات الاساسية الاخرى فهي صيد السمك (40 في المئة من عائدات التصدير) والزراعة.
(ا ف ب)