موسكو ــ حبيب فوعاني
لا تزال قضية تسميم العقيد الروسي السابق في مصلحة الأمن الفيدرالية (جهاز الاستخبارات الداخلية) ألكسندر ليتفينينكو، الهارب من العدالة الروسية، تتفاعل بعدما ظهرت صورته وهو ممدّد على سرير المرض في لندن، على الصفحات الأولى من الصحف الأوروبية الكبرى، التي تميل إلى أن رجل الاستخبارات الهارب وقع ضحية انتقاداته للكرملين والرئيس فلاديمير بوتين شخصياً.
وترتكز هذه الصحف، بشكل أساسي، على تأكيدات العميل الهارب بأن تفجير العمارات السكنية المفجع في العاصمة الروسية في العام 1999 كان بأمر من مدير جهاز الاستخبارات آنذاك فلاديمير بوتين لرفع مستوى شعبيته وتسهيل وصوله إلى سدة الرئاسة، وليس من فعل المقاتلين الشيشانيين.
وبسبب أهمية القضية، فقد أحيلت على قسم مكافحة الإرهاب في سكوتلانديارد، وطلبت الإدارة الأميركية معلومات كاملة عن هذه الجريمة المدوية.
وكان ليتفينينكو قد نقل إلى غرفة العناية الفائقة في أحد مستشفيات لندن في 2 تشرين الثاني بعد تناوله الحساء في مطعم ياباني في روما في 1 تشرين الثاني مع الخبير الإيطالي في شؤون الاستخبارات ماريو سكرامانيللي.
ولا يزال الأطباء البريطانيون يشخّصون حالة ليتفينينكو بأنها «خطرة». ويحاولون معرفة المادة، التي سُمِّم بواسطتها، والتي أشارت المعلومات الأولية إلى أنها تتألف من «أملاح الثاليوم المشعة».
وكان رجل الاستخبارات الروسي السابق وصديق الملياردير الروسي بوريس بريزوفسكي المغضوب عليه، قد التقى في لندن، حسب معلومات جهاز الاستخبارات البريطانية، بشخصين روسيين أحدهما رجل الـ«كي جي بي» والرئيس السابق لجهاز الأمن في القناة التلفزيونية الحكومية الروسية الأولى، أندريه لوغوفا، وشرب معهما الشاي، وتسلّم منهما معلومات عن قاتلي الصحافية الروسية آنا بوليتكوفسكايا.
وفي حين تمتنع وزارتا الخارجية والاستخبارات البريطانية عن القيام بأي خطوات رسمية قبل الحصول على نتائج تحقيقات سكوتلانديارد، يسود اعتقاد في التعليقات غير الرسمية للخبراء الغربيين بأن ليتفينينكو وقع ضحية الاستخبارات الروسية، وأن عملية التسميم هذه تشبه تسميم وقتل النائب الروسي ومناهض الفساد يوري شيكوتشيخين في العام 2004، ومحاولة تسميم بوليتكوفسكايا في الطائرة عند توجهها إلى بيسلان في العام نفسه، ومحاولة تسميم الرئيس الأوكراني فيكتور يوتشينكو، التي ألقت الصحافة الغربية المسؤولية عنها على الكرملين.
ولكن رئيس مجلس الاستخبارات السابق في وكالة الاستخبارات الأميركية فريتس إمارت يرى أن «رغبة الكثيرين في اتهام الكرملين في تسميم ليتفينينكو قبل إجراء الفحوص اللازمة، هي سابقة لأوانها». وأضاف: «هنالك الكثيرون جداً من مختلف الناس يستطيعون فعل ذلك، الكرملين، وأصدقاء الكرملين وأعداؤه أيضاً».
ويرى المراقبون أن الغرب مستعد لتصديق أبشع الروايات عن روسيا وعن أشنع نيات إدارة بوتين. ويبدو أن سمعة روسيا في الغرب، التي يبذل الكرملين جهوداً لا تتصور لتحسينها، هي الآن في الحضيض.
وكان اتهام الكرملين في الصحافة الغربية بمقتل الصحافية آنا بوليتكوفسكايا، غير المعروفة بالفعل للجمهور الروسي العريض والذائعة الصيت في الغرب، خير دليل على ذلك. وتثبت حادثة تسميم ليتفينينكو أن انتقاد الصحافة الغربية الحاد للكرملين الآن لم يكن بفعل مؤامرات السياسيين الغربيين المغرضة، بل بسبب الأفكار المترسخة في أوساط الرأي العام الغربي عن الاتحاد السوفياتي منذ أيام الحرب الباردة، التي ليس في طاقة الكرملين التغلب عليها.