حسام كنفاني
لم ينتظر ملك البحرين الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني «هجمة الديموقراطية» الأميركية لبدء الإصلاح وإعادة العملية الديموقراطية ولو «صورياً»، إلا أن إصلاحه لم يكن كاملاً، وشكّل انتكاسة لآمال الكثير من البحرينيين، لكن عودة ممثلي الغالبية الشيعية في انتخابات أول من أمس قد تسمح بانطلاقة جديدة للعملية الإصلاحية

المسار الديموقراطي في البحرين، هو الأول من نوعه في دول الخليج العربي، التي بدأت في الآونة الأخيرة تخطو خطوات بطيئة جداً في هذا المجال، إرضاء للتوجه الأميركي «بنشر الديموقراطية» بعد أحداث الحادي عشر من أيلول العام 2001، وهو ما حرّك الملف الانتخابي في كل من قطر والسعودية والإمارات، إلا أن العامل الانتخابي هذا لم يصل بعد في هذه الدول إلى العامل التشريعي، كما هو الحال في البحرين والكويت وسلطنة عمان.
وكما هو الحال في الكويت، تعد العملية الانتخابية في البحرين قديمة، وبعمر الإمارة السابقة والمملكة الحالية نفسها، فهي نظمت أول انتخابات للمجلس التشريعي في عام 1973، أي بعد عام واحد من نيل البحرين استقلالها.
إلا أن هذه التجربة لم تعمّر كثيرة، بعدما حَلَّ الأمير السابق الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة البرلمان وعلق الدستور في آب 1975، لتبقى العملية «الديموقراطية» في البحرين غائبة عن الساحة، حتى وفاة الشيخ عيسى، وتسلّم ابنه الملك حمد بين عيسى آل خليفة مقاليد الحكم في عام 1999.
وبين التعليق والعودة، عاشت البحرين مرحلة طويلة من حركة المعارضة السرية، تخللتها أحداث دموية، ولا سيما من الغالبية الشيعية في البلاد (نحو 65 في المئة)، التي نظمت في عام 1994 ما عُرف باسم «الانتفاضة الدستورية». وقد أدت حملتها إلى نشوب بعض الاضطرابات، التي قُتل فيها أكثر من 35 شخصاً بين عامي 1994 و1999. وتخلل هذه الفترة حملات اعتقال ونفي واسعة، وعمليات تعذيب لا تزال ملفاتها مفتوحة إلى اليوم، وهي مدرجة في إطار مطالبات المعارضة اليوم.
إلا أن المعارضة الشيعية بدأت تنظيم صفوفها قبل ذلك بفترة طويلة، وخصوصاً عقب قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، عندما نشأت أولى حركات المعارضة وهي «الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين» في أيلول من العام نفسه، ثم نشأت «حركة أحرار البحرين الإسلامية»، التي تتخذ من لندن مقرّاً لها.
بداية التغيير
مع تسلم الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة مقاليد الإمارة في عام 1999، بدأت ملامح تغيير في السياسة الداخلية البحرينية، كان مستهلها تبديلات محدودة في دوائر الحكم وصنع القرار، أعطت إشارات إلى توجهات الأمير مقارنة بوالده الراحل. ومن بين هذه التغييرات، تعيين عدد من المستشارين في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، إضافة إلى تغيير بعض رموز أجهزة الأمن ممن تتهمهم دوائر المعارضة البحرينية بممارسة أعمال قمع بحق المواطنين.
كما تغيرت إلى حد كبير سياسة رأس الدولة في التعاطي مع ملف العلاقة بين السُّنة والشيعة، عبر تراجع حدة الفصل، الذي تقوم به السلطات البحرينية تقليديّاً بينهم، إلا أن هذا التراجع كان في جزء أساسي منه إعلامياً بالأساس، إذ لم يُترجم إلى تحرك فعلي إداري أو سياسي.
وقام الشيخ حمد بزيارات للقيادات الشيعية، واستقبل استقبال الأبطال في معاقلها الحصينة، وهو ما دفع هذه القوى السياسية إلى العمل في العلن وتأسيس جمعيات سياسية، في غياب قانون للأحزاب السياسية إلى اليوم.
كما اتخذ الحكم سلسلة من الإجراءات التصالحية، كان أهمها إطلاق سراح جميع المعتقلين والسجناء السياسين خلال عام 2000، والسماح بعودة جميع المنفيين السياسين على دفعات خلال عامي 2000 و2001.
لكن الانعطافة المهمة في المشروع الإصلاحي، تمثلت في تشكيل لجنة وطنية، ضمت معارضين، لصياغة ميثاق العمل الوطني. ونص الميثاق، في جوهره، على تأكيد الحريات العامة، إضافة إلى استعادة الحياة البرلمانية وتفعيل الدستور.
إلا أن هذه الفقرة تحديداً من النص شكّلت لغماً للمعارضة، ولا سيما أنها نصت على استحداث مجلس شورى معين إلى جانب مجلس النواب المنتخب، ليشكلا معاً السلطة التشريعية (المجلس الوطني) في المملكة.
وكانت قوى المعارضة متشككة من هذه النقطة، إلا أنها حصلت على «تطمينات» من القيادة السياسية على أن يكون مجلس الشورى المعين استشارياً فقط، وهو ما دفعها إلى المشاركة بكثافة في الاستفتاء على الميثاق في 14 شباط 2001، والموافقة عليه بنسبة 98.4 في المئة، في عملية اقتراع شاركت فيها النساء للمرة الأولى.
الخلاف والمقاطعة
إلا أن شكوك المعارضة جاءت في محلها، و«تطمينات» الأمير ذهبت أدراج الرياح. ففي ذكرى مرور عام على إقرار الميثاق، أصدر الشيخ حمد دستوراً، تضمّن تعديلات على دستور عام 1973، وأعلن قيام مملكة البحرين ونصّب نفسه ملكاً.
وسارعت الجمعيات المعارضة، وأهمها «العمل» و«الوفاق» و«المنبر» و«الوسط العربي» و«التجمع القومي»، إلى تنظيم مؤتمر جماهيري واسع، معلنة رفضها للدستور الجديد، لأنه مخالف للميثاق، واعتماد مبدأ المجلسين أساساً للتشريع، وإعطاء الحق لمجلس الشورى لرفض مشاريع القوانين المصادق عليها من البرلمان، وهو ما يعني تلقائياً إبقاء صلاحية التشريع في يد مجلس الشورى الذي يعينه الملك.
ورغم مشاركة المعارضة في الانتخابات البلدية، كبادرة لحسن النيات، على أمل ثني الملك عن هذه التعديلات، إلا أن ذلك لم يحدث، وهو ما أدى إلى إعلان 4 جمعيات سياسية رئيسية (الوفاق، والعمل، والعمل الوطني، والتجمع) إلى مقاطعة انتخابات عام 2002.
انطلاقة جديدة
ومع تراجع الجمعيات المقاطعة عن قرارها في الانتخابات الحالية، على أمل تعديل الدستور من الداخل، يمكن اعتبار الانتخابات الحالية انطلاقة جديدة للعملية الإصلاحية في البحرين.
إلا أن هذه الانطلاقة تهيمن عليها سطوة السلطة، ولا سيما بعد تسريب ما سمي «تقرير البندر»، نسبة إلى مستشار التخطيط الاستراتيجي في شؤون مجلس الوزراء، صلاح البندر، الذي أشار إلى نية الحكومة التلاعب بنتائج الاقتراع لمنع وصول الجمعيات الشيعية إلى البرلمان، وهو ما فتح جبهة مواجهة بين المعارضة والحكومة قد لا تنتهي مع صدور النتائج، وإن ثبت زيف التقرير.
والمواجهة قد لا تقتصر على «تقرير البندر»، ولا سيما أن هناك المزيد من الملفات الشائكة التي لا تزال تنتظر البت فيها. فالملف الأمني ومحاسبة رموز التعذيب، إبان فترة الانتفاضة، لم يغلقا بعد، إضافة إلى ملف التجنيس، الذي يحمل حساسية بالغة في دول الخليج عموماً، وفي البحرين خصوصاً نظراً للتوزع الطائفي في البلاد، واتهام المعارضة للحكومة بالسعي إلى زيادة نسبة السنة في المملكة، عبر حملة تجنيس لوافدين من اليمن والسعودية خصوصاً.


إضاءات
حصلت البحرين في عام 1971 على استقلالها التام عن الانتداب البريطاني، وصارت تحت حكم الشيخ عيسى بن سليمان آل خليفة، الذي أصبح أميرًا، وفي الوقت نفسه رئيس وزراء الدولة البحرينية الناشئة.
وينتقل الحكم في هذه الإمارة البحرينية بالوراثة في ظل عائلة آل خليفة، التي جاءت إلى البحرين في أواخر القرن الثامن عشر من الكويت، حيث كانت تساعد أقاربها أسرة الصباح في تدعيم سلطتهم.
والبحرين هي الدولة الخليجية الوحيدة، التي تتبع مبدأ تولي الابن الأكبر العرش بعد وفاة الأمير؛ فبعد وفاة الأمير الشيخ عيسى في 6 آذار 1999، تولى ابنه الأكبر حمد بن عيسى آل خليفة العرش.
نظمت أول انتخابات تشريعية في البحرين في كانون الأول 1973. وقام نحو 30 ألف مقترع بانتخاب 30 عضواً لمدة أربع سنوات. إلا أن المجلس الوطني (البرلمان) لم يستمر طويلاً؛ ففي آب 1975، قام رئيس الوزراء بتقديم استقالته، اعتراضاً على منع المجلس التشريعي للحكومة من ممارسة وظائفها. ونتيجة لذلك، قام الأمير بحل المجلس من خلال مرسوم أميري، قبل أن يعود البرلمان إلى العمل بعد 27 عاماً في عام 2002.



تقرير البندر
كشف تقرير مستشار التخطيط الاستراتيجي في شؤون مجلس الوزراء، صلاح البندر، عن وجود «شبكة سرية»، مضى على تأسيسها 24 شهراً على الأقل، يترأسها وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء الشيخ أحمد بن عطية الله آل خليفة، تهدف إلى منهجة التمييز العنصري وإبادة طائفة بأكملها، وإثارة النعرات الطائفية، والعودة إلى «مربع رقم 1 وحكم جهاز أمن الدولة»، و«تحجيم دور القوى المعارضة في المؤسسة التشريعية وإضعاف شوكتها في المجتمع المدني والإعلام وإبعادها عن دوائر التأثير في مؤسسات السلطة التنفيذية» ، و«التغيير الديموغرافي للحصول على أكثرية موالية للسلطة».
كما كشف التقرير عن عناصر الشبكة السرية وما تتلقاه من مكافآت مالية توضع في حساب بيت التمويل الكويتي ثم حساب بنك البحرين الشامل. وقد بيّن التقرير كل ذلك بالأدلة والإثباتات والأرصدة والشيكات المصروفة.
عرض تقرير البندر «تصور النهوض بالوضع العام للطائفة السنية». وأبـرز الآليات المقترحة أو المبادرات التنفيذية هي: تشغيل معهد البحرين للتنمية السياسية بهدف توعية وتدريب السنة، وإقامة تحالفات بين الجمعيات السياسية السنية، وتشجيع تأسيس المزيد من الجمعيات السياسية والحقوقية الموالية للحكومة، وإنشاء مرصد بحثي لرصد التجاوزات الشيعية، وزيادة أعداد المجنسين من العرب السنة.
وبعد الكشف عن التقرير الشهر الماضي، أُبعد البندر عن البحرين، واتهم «بالإساءة» إلى البلد، وتشويه صورته، و«سرقة مستندات حكومية»، والعمل مع جهاز استخبارات أجنبي، ولا سيما أن البندر يحمل الجنسية البريطانية، وإن كان من أصول سودانية.