بعدما كان العراقيون يتجنبون الذهاب إلى الأسواق والشوارع خوفاً على حياتهم من الهجمات المسلحة والسيارات المفخخة، دخل سلاح جديد في الحرب المذهبية المستعرة: التراشق بقذائف «الهاون» وصواريخ «الكاتيوشا» بين الأحياء في بغداد.وأحالت هذه الظاهرة، التي بدأت تجلب الموت إلى بيوت سكان بغداد، حياتهم إلى جحيم ولا سيما أن القصف بقذائف «الهاون» والصواريخ لم يستثن إلا أحياء قليلة من العاصمة العراقية، وهو ما جعل فرصة الهرب إلى هذا الحي أو ذاك محدودة للغاية أمام المدنيين، ناهيك عن مخاطر القتل المذهبي والتهجير الطائفي المتزايد.
وبحسب مراقب عسكري، فإن قصف المناطق الآهلة بالسكان بقذائف «الهاون» والصواريخ يمثل أخطر مرحلة من مراحل العنف المذهبي في العراق بسبب ما ينجم عنه من خسائر بشرية كبيرة وآثار نفسية خطيرة بين المدنيين، لا سيما أن هذا السلاح، الذي يصفه العراقيون بــ«الأعمى» لا يميز بين المدنيين العزّل وبين العسكريين والمسلحين على اختلاف انتماءاتهم.
ومع أن السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة أثبتتا أنهما سلاحان خطيران في حصد أرواح المدنيين العراقيين على امتداد السنوات الثلاث الماضية، إلا أن سلاح «الهاون» وصواريخ «الكاتيوشا» لا يقلّ خطورة في حجم الأثر النفسي الذي يتركه في صفوف المدنيين، بسبب الرعب الذي يخلفه لديهم من الموت أو الإصابة، حتى وإن كانوا في منازلهم.
ورغم أن الكثير من الجماعات المسلحة في العراق استخدمت خلال السنوات الثلاث الماضية هذا السلاح في قصف قواعد القوات الأميركية والبريطانية في أنحاء متفرقة من العراق، فإن البيانات العسكرية الصادرة عن جهات أمنية عراقية وأميركية سجلت سقوط الكثير من هذه القذائف على أحياء سكنية آهلة بالمدنيين، بسبب خطأ في التصويب، أو نقص في التدريب، أو عيب في السلاح، أو للأسباب الثلاثة معاً.
وأدى دخول هذا السلاح ساحة العنف المذهبي، وخاصة في العاصمة بغداد، حيث يستخدم في التراشق بين الأحياء والمدن المكتظة بالسكان، إلى مصرع وإصابة المئات من المدنيين، فضلاً عن الأضرار المادية الكبيرة التي نجمت عنه، في ظل غياب إحصاءات رسمية دقيقة.
ففي أحياء مكتظة بالسكان المدنيين، كان لا بد لهذا السلاح من أن يحصد أرواح المئات من المدنيين، بينهم نساء وأطفال، لا سيما إذا كان التراشق بدفعات متتالية من قذائف «الهاون» من عيارات كبيرة تطلق على هذه المدينة أو ذلك الحي على مدى الساعة.
ودخلت، خلال الأيام الماضية، أحياء ومدن في بغداد دائرة الاستهداف بهذه القذائف والصواريخ، بينها الكاظمية والفضل والشعلة والحرية والغزالية وحي الجامعة، شأنها شأن مدينتي الصدر والأعظمية اللتين تلقتا النصيب الأكبر من قذائف «الهاون».
وكانت مدينة الصدر ذات الكثافة السكانية العالية شرقي بغداد قد شهدت الخميس الماضي سقوط قذيفتي «هاون» بالتزامن مع انفجار أربع سيارات مفخخة مخلفة أكثر من 200 قتيل، في مجزرة هي الثانية من حيث عدد الضحايا بعد حادثة التدافع على جسر الأئمة قبل نحو عامين، والتي لقي فيها ما يزيد على ألف عراقي شيعي مصرعهم.
(يو بي آي)