رغم الأهمية الدينية لزيارة البابا بنديكتوس السادس عشر الى اسطنبول، التي حملت دلالات إيجابية على صعيد توطيد العلاقات بين الكنيسة الكاثوليكية من جهة وكل من الكنيسة الارثوذكسية والمسلمين من جهة أخرى، إلا أن موقفه أمس بدا أكثر تصلّباً منه في مستهل زيارته لتركيا، عندما أعاد التأكيد على أهمية «القيم المسيحية» لأوروبا وعلى وجوب احترام حقوق الأقليات الدينية.ودعا البابا والبطريرك المسكوني للروم الأرثوذكس بارتلماوس الأول، الكاثوليك والأرثوذكس في أوروبا الى «توحيد جهودهم من أجل الحفاظ على الجذور والتقاليد والقيم المسيحية» مع البقاء «منفتحين على الديانات الأخرى».
وجاء في إعلان مشترك صدر عن البابا والبطريرك أن “احترام الحرية الدينية يجب أن يكون معياراً لدخول تركيا الى الاتحاد الاوروبي”. أضاف الإعلان «في كل محاولة توحيدية، يجب حماية الأقليات بتقاليدها الثقافية وخصوصياتها الدينية».
وشدّد البابا الذي يختتم اليوم زيارته إلى تركيا، على “شهادة الإيمان” التي يقدمها المسيحيون “في مناطق مختلفة من العالم”، مضيفاً إن “هناك شهوداً كثراً في مناطق مختلفة من العالم اليوم”. وقال “نذكرهم في صلواتنا، ونقدم إليهم دعمنا ونطلب بإلحاح من جميع قادة العالم احترام الحرية الدينية كحق إنساني جوهري”.
وكان البابا قد دعا، في ختام قداس شارك فيه في كنيسة القديس جاورجيوس، مقر البطريركية الأرثوكسية في اسطنبول، بارتلماوس الاول وجميع المسيحيين الى “تجديد وعي أوروبا لجذورها وتقاليدها وقيمها المسيحية والى تجديد حيويتها”.
وحضر البابا القداس لمناسبة عيد القديس اندرياس من دون المشاركة في إحيائه نتيجة الاختلافات الليتورجية بين الكنيستين الكاثوليكية والارثوذكسية.
وشدد البابا، في خطابه، على أن “الرسالة” المشتركة لجميع المسيحيين والقاضية بالتبشير بالإنجيل “لا تشمل فقط الثقافات التي طالتها هامشياً رسالة الإنجيل، بل أيضاً الثقافات الأوروبية القديمة المتجذرة بعمق في التقليد المسيحي”.
وقال البابا إن “العلمنة أضعفت التمسك بهذا التقليد. في مواجهة هذا الواقع، نحن مدعوون معاً، ومع كل الطوائف المسيحية الأخرى، الى تجديد الوعي الأوروبي لجذوره وتقاليده وقيمه المسيحية، وبث حيوية جديدة فيها”.
غير أن المتحدث باسم الفاتيكان الأب فيديريكو لومباردي حاول تلطيف هذا التبدل الظاهري في موقف البابا. وأوضح أن «الكرسي الرسولي ينظر بإيجابية ويشجع طريق الحوار والتقارب والاندماج (لتركيا) في أوروبا على قاعدة القيم والمبادئ المشتركة».
وكان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان قد نقل الثلاثاء عن البابا دعمه دخول تركيا الى الاتحاد الأوروبي.
وقام البابا بعد ذلك بزيارة متحف آيا صوفيا والمسجد الأزرق في اسطنبول في محطتين بالغتي الدقة والحساسية من زيارته التي أحيطت بإجراءات أمنية غير مسبوقة.
وأثناء زيارته مسجد السلطان أحمد، المعروف بالمسجد الأزرق، ولّى البابا وجهه أمس نحو مكة المكرمة وشبك يديه على بطنه كما يفعل المسلمون في صلاتهم.
وانتهت الزيارة الذي استمرت زهاء نصف ساعة، بتبادل الهدايا بين البابا ومفتي اسطنبول مصطفى كاغريسي، الذي كان يتولى استقباله في المسجد أثناء الزيارة.
وقال البابا «إن هذه الزيارة ستساعدنا في التوصل معاً الى وسائل وسبل السلام من أجل خير البشرية»، مبدياً استغرابه لقدرة المسجد على استقبال ثمانية آلاف مصلٍ أثناء صلاة الجمعة وخلال شهر رمضان، وفقاً لشروح المفتي.
وجاءت هذه الزيارة الاستثنائية بعد أقل من ثلاثة أشهر من الجدل العنيف الذي أثارته كلمة للبابا في جامعة ألمانية في أيلول الماضي، ربط فيها بين العنف والإسلام.
ويُعدّ متحف آيا صوفيا والمسجد الأزرق أبرز موقعين مسيحي ومسلم في اسطنبول، وهما يحيطان بساحة السلطان أحمد في وسط اسطنبول ويعكسان تنوع الإرث الحضاري لمدينة تقع على تقاطع الحضارات.
وشيدت كنيسة القديسة صوفيا في القرن السادس، وتحولت الى مسجد عام 1453 بعد سقوط القسطنطينية التي أطلق عليها العثمانيون اسم اسطنبول. وبعد سقوط السلطنة العثمانية وإعلان الجمهورية التركية العلمانية، تحوّل المسجد الى متحف عام 1935.
وسيكون بنديكتوس البابا الثاني الذي يزور مسجداً بعد البابا يوحنا بولس الثاني الذي زار الجامع الأموي في دمشق خلال زيارة له الى سوريا عام 2001.
وأشارت وسائل الإعلام التركية الى أن بنديكتوس السادس عشر أضاف المسجد الأزرق الى برنامج زيارته بناءً على اقتراح من الحكومة التركية.
في المقابل، تظاهر عشرات الأشخاص احتجاجاً على الزيارة قرب مقر البطريركية الارثوذكسية ومتحف آيا صوفيا، مطلقين هتافات مناهضة للبابا وصرخات “الله أكبر”.
ورفع المتظاهرون الذين يحتجون على تصريحات البابا التي عُدّت مسيئة للإسلام وللنبي محمد، لافتات كتب عليها “لن تتحوّل تركيا الى مستعمرة”، و أخرى فيها “آيا صوفيا تركية وستبقى” و“آيا صوفيا مسجد منذ 1454”.
(ا ف ب، د ب ا، ا ب)