غزة ــ رائد لافي
تراشق اتهامات بين “فتح” و“حماس”... وإسرائيل تصعّد
يبدو أن الوضع الفلسطيني دخل في محظور الاقتتال الداخلي، وحال تراشق الاتهامات لا تنبئ بمرحلة هدوء في المرحلة المقبلة؛ فالتصعيد عنوان الحالة الفلسطينية الداخلية من اليوم إلى أجل غير مسمى


انتقلت الخلافات الداخلية الفلسطينية إلى الشوارع، التي بدت أمس كـ“ساحة حرب” حقيقية، قتل فيها ثمانية فلسطينيين، وأصيب أكثر من 70 آخرين بجروح متفاوتة، بالتزامن مع تهديد إسرائيلي بتوسيع الاعتداءات على قطاع غزة، حيث استشهد فلسطينيان أيضاً بنيران الاحتلال.
واندلعت اشتباكات مسلحة عنيفة بين العشرات من منتسبي الشرطة وقوات الأمن الوطني، وبين القوة التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية، التي نفذت “تهديدها” المسبق بمنع تظاهرات الأجهزة الأمنية ولو بالقوة، بدعوى “إخلالها بالأمن الداخلي”.
وخرج العشرات من منتسبي الشرطة والأمن الوطني إلى الشوارع للاحتجاج على أزمة الرواتب، واشتبكوا مع مجموعات القوة التنفيذية، التي انتشرت في الشوارع والمفترقات الرئيسة منذ ساعات الصباح الباكر.
وكان المتحدث باسم وزارة الداخلية خالد أبو هلال، قد هدد في مؤتمر صحافي، مساء أول من أمس، المتظاهرين من أجهزة الأمن بأن الوزارة ستمنعهم من التظاهر ولو اضطرت إلى استخدام القوة المسلحة.
وقالت الوزارة، في بيان حصلت “الأخبار” على نسخة منه، “إن إصرار فئات من قوى الأمن الفلسطيني على استمرار العبث بمصالح شعبنا وتعطيلها، من خلال إغلاق الشوارع وإشعال إطارات السيارات ومنع المواطنين والموظفين من التنقل والوصول إلى أماكن عملهم، لا يمكن تفسيره إلا تمرداً وانقلاباً يستوجب إيقاع أشد العقوبة على فاعليه وفق القانون الفلسطيني”.
وأعلنت مصادر طبية فلسطينية مقتل ثمانية فلسطينيين في مدينة غزة، بينهم أحد عناصر حرس الرئيس محمود عباس، وأصيب نحو 70 آخرين بجروح متفاوتة. ووفقاً لمدير العلاقات العامة في مستشفى الشفاء الحكومي، الطبيب جمعة السقا، فإن عدداً من المصابين وصلوا إلى المستشفى في حال الخطر الشديد.
وقال السقا، لـ“الأخبار”، إن القتلى هم: علي جرس (36 عاماً) وحسن أبو الهطل (15 عاماً)، ورفيق صيام (29 عاماً) وهو أحد عناصر حرس عباس، ومحمد كمال الأفغاني (23 عاماً)، رمضان محمد رمضان (26 عاماً)، محمد توفيق الديري، محمد أبو شمالة ومحمد أبو محسن.
وكانت شرارة الاشتباكات قد بدأت في مدينة خان يونس، جنوب القطاع، عندما حاول العشرات من عناصر الشرطة والأمن الوطني إغلاق طريق صلاح الدين الرئيسي الواصل بين مدن جنوب وشمال القطاع، حيث أصيب 11 فلسطينياً بجروح متفاوتة.
وجدد المتحدث باسم القوة التنفيذية، اسلام شهوان، التهديد بأن “القوة التنفيذية لن تسمح لأي كان، ومهما كانت صفته ومهما كانت الفئة التي تدعمه، أن يقوم باختراق القانون والاعتداء على المواطنين وإغلاق الطرق».
واعتقلت القوة التنفيذية، وفقاً لما أعلن شهوان، أكثر من عشرين عنصراً من أتباع الضابط في جهاز الأمن الوقائي، صفوت رحمي، بعدما اشتركوا في إطلاق النار.
وقالت مصادر محلية وشهود عيان إن مسلحين أطلقوا قذيفتين من نوع «آر بي جي» نحو سيارتين للضابط رحمي، ما أدى إلى احتراقهما، فيما قال آخرون إن مجموعة من القوة التنفيذية اعتقلت مسؤول مرافقي مدير الشرطة.
وكان مسلحون من أجهزة الأمن قد اقتحموا الفرع الرئيسي لمصرف فلسطين المحدود في مدينة غزة، وحطّموا أثاثه، وعاثوا فيه فساداً، ما اضطر إدارة المصرف إلى إغلاق كافة فروعه في القطاع. وتبادلت حركتا “فتح”، التي تسيطر فعلياً على الأجهزة الأمنية، وحركة “حماس”، الاتهامات بالمسؤولية عن اندلاع الاشتباكات.
ودعا رئيس الوزراء الفلسطيني اسماعيل هنية القوات المتنافسة في قطاع غزة الى وقف الاقتتال. ودافع عن قرار وزير داخليته بنشر القوة الأمنية التنفيذية. وقال إن نشر هذه القوة كان أمراً ضرورياً لإعادة الهدوء والأمن إلى الشارع الفلسطيني.
وقال المتحدث باسم الحكومة الفلسطينية، غازي حمد، إن “البعض لم يرق له حالة الاستقرار التي شهدها قطاع غزة، فحاول عرقلة عمل القوة التنفيذية وإطلاق النار عليها بشكل متعمّد ونشر الفوضى، وبدأ تخريب هؤلاء من خلال التهجّم على المصارف وتدمير أجهزتها”.
واتّهم النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني يحيى موسى الرئيس الفلسطيني شخصياً بالمسؤولية عن الأحداث والاشتباكات التي شهدها القطاع، وقال إنه “يتحرك وفقاً لجدول أعمال أميركي”.
في المقابل، نقل الموقع الإلكتروني «انتفاضة فلسطين»، المقرّب من حركة فتح، عن مصادر في مكتب عباس، قولها إن قوات حرس الرئيس عممت على عناصرها أوامر بالتدخل المسلّح لمصلحة المتظاهرين، ضد القوة التنفيذية.
ووصفت كتلة “فتح” البرلمانية، قرار وزير الداخلية سعيد صيام القاضي بالتصدي لتظاهرات الاحتجاج بـ“السافر”، وحمّلته شخصياً والحكومة الفلسطينية المسؤولية الكاملة عن أية قطرة دم تراق في قطاع غزة.
واتّهم القيادي في حركة فتح أحمد عبد الرحمن قيادة “حماس” وسعيد صيام بمسؤولية توتير الأوضاع. وقال إن “ما يحصل في غزة هو جريمة يتحمل مسؤوليتها قيادة حركة حماس ووزير الداخلية الذي أصدر أوامر بإطلاق النار”.
وفي رام الله، أشعل مئات المتظاهرين الفلسطينيين الغاضبين، لعدم تقاضي رواتبهم، النار في مقر الحكومة الفلسطينية في رام الله. وقام المتظاهرون عقب ذلك بإضرام النار في مبنى مجاور تستخدمه الحكومة الفلسطينية التي يرأسها هنية. وقد اقتحم المتظاهرون قبل ذلك مكاتب أعضاء المجموعة البرلمانية التابعة لـ “حماس” وأتلفوا محتوياتها.
وأعرب أحد قادة حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، خضر حبيب، عن أسف الحركة لما يشهده قطاع غزة. وقال، لإذاعة صوت القدس، “ما يحصل في القطاع لا يتوقّعه أحد. فهل من المعقول أن يقتل الفلسطيني أخاه مهما كانت الأسباب”.
وفي سياق الاعتداءات الإسرائيلية، استشهد فلسطينيان في غارة جوية استهدفت سيارة كانا يستقلانها في حي السلام شرق مدينة رفح في أقصى جنوب قطاع غزة. وذكرت مصادر طبية أن حسام فايز غيّاض (20 عاماً) وبسام سلامة بن حمدن (22 عاماً)، قتلا وأصيب ثلاثة آخرون بينهم طفل.
وقالت “سرايا القدس”، الجناح العسكري لحركة “الجهاد الإسلامي”، إن المجموعة التي تعرضت للقصف، كانت تطلق صواريخ باتجاه البلدات الإسرائيلية شمالي قطاع غزة، مؤكدة نجاة أفراد المجموعة وعودتهم إلى قواعدهم بسلام، ومتوعدة بالرد على “الجرائم الإسرائيلية”. وتأتي الغارة الإسرائيلية، بعدما أعلن رئيس الأركان الاسرائيلي دان حالوتس أن اسرائيل تدرس إمكانية تصعيد العمل العسكري في قطاع غزة لوقف إطلاق الصواريخ.
وقال حالوتس “علينا أن نجد طرقاً عسكرية لخفض إطلاق الصواريخ على سديروت”، مشيراً إلى البلدة الإسرائيلية الجنوبية التي كثيراً ما تتعرض لإطلاق صواريخ من غزة. وشدد على أن من بين “الحلول” الاجتياح البري.