بغداد- نصير النهر
يناقش البرلمانيون العراقيون وهواة السياسة، كيفية التقسيم المناطقي الطائفي، بعد تقسيم الوزارات وإنشاء «فدراليات» داخل مؤسسات الدولة، في وقت تتراجع فيه السياسة عموماً الى الوراء، مع وجود الميليشيات والجماعات المسلحة، التي قد تقيّد تنفيذ القرار السياسي، فيما تبرّر بعض الاطراف وجود الميليشيات والحاجة اليها، كردّ فعل على عدم تمكن الاجهزة الامنية من حماية عدد من المناطق، وهو ما جعل حكومة «الغرين زون» (المنطقة الخضراء)، غير حكومات الشارع التي تقودها الميليشيات

  • التشويه في موضوع الميليشيات
    يرى المسؤول في المجلس الاعلى للثورة الاسلامية رضا جواد تقي أن «هناك الكثير من التشويه في موضوع الميليشيات».
    ويقول تقي إن «منظمة بدر، التي كانت الجناح العسكري في المجلس، هي اليوم تنظيم سياسي منخرط في العملية السياسية، وله نواب ووزراء وممثلون في كل مرافق الدولة، لذلك هي ليست ميليشيا، ولا سيما أن معظم افرادها الآن منتسبون للقوات المسلحة والأمنية كأفراد لهم تعاملهم مع قياداتهم الرسمية، الا أن الصفة الميليشياوية بقيت ملتصقة بهم، وقد يكون ذلك لماضيهم في العمل المسلح ضد النظام السابق، او لوجود التنظيم الذي يحمل هذا الاسم».
    ويوضح المسؤول في «المجلس الاعلى» أن «كل بيت عراقي فيه الآن سلاح أو أسلحة، جرّاء عدم استطاعة الاجهزة الامنية السيطرة على الوضع، ومن هنا، فإن منظمة بدر لا بد من أن تكون مهيأة ومتحسبة للمخاطر المحتملة، الا أن المجلس الاعلى على العموم، يرى ضرورة نزع حتى الاسلحة الشخصية الموجودة في البيوت، إذا استقرّ الوضع الامني، وزالت المخاطر المحتملة».
    ويشير تقي الى أن «السلاح يجب أن يكون في يد الأجهزة الحكومية فقط، وهذا لا يروق الكثير من العصابات الاجرامية، التي يوجد بعضها حتى داخل اجهزة الدولة، والتي تنتحل في عملياتها الاجرامية اسم منظمة بدر او التيار الصدري، او حتى الحزب الاسلامي، حسب ظروف الجريمة التي ــ للأسف الشديد ــ لا يوجد من يكشف عنها، لضعف أو لانعدام الاجهزة الاستخبارية، ولارتباط الموجود منها بقيادة متعددة الجنسيات لا بالأجهزة الأمنية العراقية».
    ويقول المسؤول في «المجلس الاعلى» إن «اجواء عدم الثقة بين الكتل السياسية هي التي تدفع منتسبيها إلى الاحتفاظ بأسلحتهم، واستخدامها لأتفه الأسباب، وهذا ما يستفيد منه الطارئون على تلك الكتل أو الذين ينتحلون لواءها لإشاعة اجواء الفوضى والبلبلة، لذا نجد حتى داخل الكتل السياسية من يحاول عرقلة اجواء المصالحة الوطنية وتعكيرها، بهدف استثمار الخلافات لمصالح شخصية، او لمصالح عصابات تسمّي نفسها ميليشيات، وهي في الحقيقة عناصر أو مجموعات غير منضبطة ولها أجندات إجرامية».
    ويختم تقي بالقول «لكي ننتهي من هذا الموضوع الشائك، فإن المصالحة الوطنية لا غيرها هي الكفيلة بحسم موضوع ما يسمّى بالميليشيات، التي سيتم فرزها والتعامل معها بالطرق المناسبة».
  • «جيش المهدي ليس ميليشيا»
    ويرى النائب عن «التيار الصدري» بهاء الأعرجي، عضو الائتلاف العراقي الموحد، أن «موضوع الميليشيات لا ينطبق على جيش المهدي».
    ويقول الأعرجي إن «الميليشيات موضوع كبير، وهناك تشريعات كثيرة تعالج أمرها، كان آخرها القانون91، لكن لم تكن هناك جهة تنفّذه».
    ويشير النائب العراقي الى أن «للميليشيات وضعاً في القوانين الدولية، كما عرّفها قانون محكمة لاهاي، وهي مجموعة من قوات عسكرية غير مرتبطة بحكومة وتنفذ أو تسعى إلى تحقيق مصالح حزبية، وإذا كان المقصود بها جيش المهدي، فـجيش المهدي لم يرتبط بأي مؤسسة حزبية، بل يرتبط بالخط (الصدري)، وهو خط شعبي، وقد أسس هذا الجيش بناء على رد فعل طبيعي هو وجود الاحتلال، فهو إذاً جيش عقائدي شعبي ليس لديه اي تنظيم».
    ويوضح الأعرجي أن «هناك مشكلة خطيرة في حل الميليشيات، وهي دمجها في مؤسسات الدولة، حيث إن جيش المهدي موجود في الدولة، فمنهم الآن المحامي والطبيب والمهندس والموظف في القطاعين العام والخاص، وهذه كلها دلائل على أن موضوع الميليشيات لا ينطبق على جيش المهدي، وبالتالي فإن هذا الجيش أقامه الشعب رداً على الاحتلالli>حزب «الدعوة» من السلاح إلى السياسة
    اما المستشار في حزب «الدعوة» بشير حسن، فيشير الى أن الحزب «هو اول تنظيم اسلامي شكّل مجموعات مسلحة ابّان النظام السابق، وحتى قبله، لكنه حين ارتضى الانخراط في العملية السياسية، ابعد نفسه كلياً عن تكوين مجموعات مسلحة، مفضلاً العمل السلمي، وهذا الامر له سلبياته، لأن العمل السياسي في العراق الآن يميل لمصلحة كفّة السلاح، أي أن الحزب فقد عنصراً مهمّاً في الدفاع عن نفسه وعن منتسبيه، الا أنه في الجانب الآخر كسب النخبة المثقفة المفكرة، وهي التي منحته رصيداً جيداً في الشارع السياسي، اضافة الى تاريخه المسلح في مقاومة الاستبداد».
    ويقول حسن «هنا يكمن الجانب الايجابي، فلا أحد يستطيع أن يقول عن حزب الدعوة إنه حزب ميليشيات او حزب عصابات، ولذلك فإن مستقبل الحزب مرهون بالمصالحة الوطنية، وانتهاء دور هذه الميليشيات الشيعية والسنية على حد سواء التي شوهت صورة الاسلام»، مشيراً الى أن «ارتفاع الاصوات، وبهذه الكثافة، باتجاه انهاء دور الميليشيات، يؤكد أن موقف حزب الدعوة كان مصيباً، وأنه اول من بادر عملياً في هذا الاتجاه، كما كان المبادر الاول إلى حمل السلاح».
    ويؤيّد النائب عن «الدعوة» ما ذهب اليه تقي، من أن «معظم الجرائم والعمليات العسكرية لا علاقة لها بالميليشيات المعروفة، بل هي من صنع طارئين ومستغلين للمسميات، وهذا ما سيفرزه المسقبل القريب إذا تمّ التوصل الى اي صيغة للمصالحة الوطنية، وإن هناك مؤشرات كثيرة على ضرورة حسم موضوع المصالحة وإنهاء المشروع الدموي».
  • الإرهاب والميليشيات «واحد»
    ويقول رئيس «جبهة التوافق العراقية» عدنان الدليمي، إن «الإرهاب والميليشيات الطائفية منبعهما واحد ومصبّهما واحد، وليفهم من يريد أن يفهم معنى هذا القول، وإذا ما تمّت المصالحة الوطنية التي لا تلغي او تحجّم الآخر، فسيمكن آنذاك الفرز بين المقاومة والارهاب، بل وسيمكن الفرز بين المقاومة الوطنية والمقاومة الطائفية، وعندما يتم الالتقاء على اساس وطني، ينعزل الارهاب، ومعه ينعزل الطائفيون، لأن الميليشيات ستفقد أي مبرر لوجودها، أي أن المصالحة الوطنية ستعزل المتطرفين من الطرفين».
    وعن الاتهام الموجه إلى بعض الميليشيات بشأن ارتباطها بإيران، يرى الدليمي أن «الوضع المنفلت دفع الاشخاص إلى طلب الحماية ضمن المنطقة او القبيلة او الطائفة، وهذا بدوره اتسع ليشمل اللجوء الى قوى خارجية لها اجنداتها الخاصة، ولا يمكن أن نتناسى أن الاحتلال هو الذي دفع الى ذلك، او على الاقل تغاضى عنه لأسباب مصلحية، أمّا الآن، فلم يعد في مصلحة الاحتلال ومشروعه التجزيئي او الليبرالي استمرار الوضع على ما هو عليه الآن».
    ويوضح رئيس «جبهة التوافق» أنه «ليس من مصلحة الاحتلال ضرب الميليشيات الشيعية، لأنه لا يريد توسيع رقعة المعارضة له، وفي رأيي أن ساحة الميليشيات شبه مكشوفة لدى القوات الاميركية والبريطانية، وهي تعرف كل شئ عنها تقريباً، لذلك فهي تقوم الآن بتوجيه ضربات جزئية الى من تسميهم بـ(المارقين)، على امل احتواء الاطراف الأخرى سياسياً. اما عن الارتباط بإيران، فأنا شخصياً لا أعتقد أن ايران راغبة بالاستمرار في اللعبة طويلاً، لأن لها اجندتها الخاصة، الدولية والإقليمية».
    ويرى الدليمي أن «حلّ الميليشيات ليس بالامر المعقد بالنسبة إلى الاحتلال الاميركي، فإيران مستعدة لبيع كل الميليشيات اذا اقتضت مصالحها او مساوماتها الدولية والاقليمية ذلك، ومع كل شيء يبقى العامل الداخلي هو الاهم، فبالتصالح والعدل تزول الضرورة لبقاء اي قوة مسلحة خارج سلطة الدولة».
    ويقول مهدي الحافظ، وزير التخطيط السابق والنائب في البرلمان عن «القائمة العراقية الوطنية»، إن «حالة الانفلات الامني الحالية لم يشهد لها العراق مثيلاً في كل تاريخه، وإلى جانب هذا الانفلات أستطيع القول بدون تردد، إن حالة الحرب الاهلية قائمة بالفعل، والاّ فما الذي يعنيه القتل على الهوية، وبهذا الشكل البشع الذي نشهده كل ساعة على شاشات التلفزيون وعلى ارض الواقع».
    ويرى الحافظ ان «الميليشيات هي العلامة الفارقة المميزة للانهيار الأمني، ولدموية المسؤولين عنها، وهم إن لم يكونوا من ضمن الجهاز الحاكم، فهم علامة فشل ذريع لهذا الجهاز غير القادر على حماية المواطنين، بل غير القادر على حماية نفسه».
  • دعوة السيستاني فرصة للحكومة
    وفي الجانب الرسمي «الشيعي»، يرى علي الدباغ، نائب الامين العام لحزب الفضيلة والمتحدث باسم رئيس الوزراء نوري المالكي، أن مسألة حل او دمج الميليشيات يجب ان تكون ضمن خطة مدروسة، ولا يكون دخولها الى الوزارات الامنية على شكل مجاميع، ما يجعل تكتلها في تلك الوزارات مشكلة اخرى».
    ويرى الدباغ أن «الميليشيات يجب أن تذوب بطريقة منظمة ومدروسة ضمن ادارات الدولة، وليس بالضرورة أن تكون ضمن وزارتي الداخلية والدفاع»، مشيراً الى أن مشكلة الميليشيات مرتبطة بالملف الامني، ولا يمكن أن نبدأ بحلها من دون ان يكون هناك تقدم في هذا الملف». ويضيف ان «المرجعية الدينية في النجف المتمثلة بالسيد علي السيستاني تدعو الى حل الميليشيات، وهذه الدعوة مهمة جداً وتمثّل مصدر قوة للحكومة، وأمامها اللآن فرصة كبيرة لتخطو خطوة شجاعة وجريئة باتجاه الانتهاء من مشكلة الميليشيات».
  • لم يبق من «البشمركة» سوى الاسم
    ويرى النائب عن «القائمة الكردستانية» محمود عثمان أن «الاحزاب الكردية نفذت فعلياً قرار حل الميليشيات، وقوات البشمركة لم يبق منها سوى الاسم، لأنها انخرطت في اجهزة الدولة، وخاصة الاجهزة الامنية».
    ويشير عثمان الى أن «هناك خشية حقيقية من الميليشيات غير المنضبطة، التي تعمل تحت مظلة مسميات معروفة، الا أنها تتصرف وفق ما تمليه مصالحها الشخصية او الفئوية، التي يصعب السيطرة عليها، ومن مسؤولية الجهات التي تتسمى باسمها. تلك الميليشيات تحمل تبعات اعمالها او التبرؤ منها، واعتبارها خارجة على القانون، وبالتالي يكون موضوع حل الميليشيات او دمج عناصرها بأجهزة الدولة امراً يسيراً عند توفر الظروف الموضوعية، وباتفاق سياسي».
  • الميليشيات تتحرك بحرية
    غير أن «الحزب الاسلامي العراقي» له رأي آخر في هذا الموضوع، اذ يرى عضو المكتب السياسي في الحزب عمار وجيه زين العابدين أن «الميليشيات بدأت تتحرك بحرية لم يسبق لها مثيل في بغداد، مستفيدة من اجراءات الخطة الامنية وفرض حظر التجول لتنفيذ عملياتها».
    ويقول زين العابدين إن «هذه العمليات باتت تشكل التهديد الاكبر على وحدة العراق»، متسائلاً عن «سبب السماح لتلك الميليشيات بحمل السلاح والانتشار بكثافة في مقابل حرمان المواطنين من حقهم في الدفاع عن انفسهم من هجمات الميليشيات».
    كما يدعو «المؤتمر العام لأهل العراق» الى «حلّ الميليشيات المسلحة والتعامل مع جميع العراقيين وفق القانون والعدالة».
    ويقول المتحدث باسم المؤتمر حسين الجميلي إن «اي خطة امنية، مهما كانت، لن تستطيع السيطرة على الوضع الامني المتدهور، ما لم يتم التعامل بشجاعة وقوة مع مآساة الوضع الأمني الذي تتسبب فيه الميليشيات الطائفية الارهابية التي هي بيت الداء، وإن الحال ستبقى على ما هي عليه، بل سينفجر الوضع ويحرق الاخضر واليابس، اذا لم يتم حل هذه الميليشيات ونزع اسلحتها».