القاهرة، غزة ـــ الأخبار
أقل من شهر فصل اجتماع العقبة عن «انقلاب» فتح على حكومة حماس، عبر تحريض الشارع على الخروج بتظاهرات مسلحة ومواجهات لا تزال نتائجها غير واضحة المعالم

اجتماع العقبة الأمني ـــ السياسي، الذي جمع مسؤولين من اسرائيل والأردن ومصر والسعودية والإمارات والسلطة الفلسطينية، كان حاسماً في ضرورة إجبار حركة حماس على القبول بشروط جديدة للعبة، وأن لا مجال لدعم حكومتها الا إذا تراجعت وقبلت بشروط اللجنة الرباعية، وفي مقدمتها الاعتراف باسرائيل، وبأن تؤلّف الحكومة الجديدة وفق شروط تأخذ بالاعتبار هذا البرنامج السياسي.
وسمع الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال الاجتماع كلاماً واضحاً حول ضرورة ألا يكون رئيس الحكومة المقبلة من حماس، وأن يتم اختيار آخر من بين اثنين: سلام فياض (الذي تبين أنه يحظى بدعم الأردن) او منيب المصري (الذي تبين أنه يحظى بدعم مصر)، على أن يصار بعد ذلك الى وضع أجندة خاصة للعمل السياسي وغير السياسي بما في ذلك التمهيد لخطوات أخرى مع اسرائيل، علماً أن المندوب الإسرائيلي في الاجتماع يوفال ديسكن رفض تقديم أي تعهدات مسبقة بشأن الواقع الأمني أو الواقع السياسي أو حتى بما خص الأموال التي تحتاج إليها السلطة الفلسطينية.
ومع أن النقاش تطرق الى أمر مهم يخص العمل على شق حماس من خلال وقف التفاوض مع قادتها في الخارج وقطع أي اتصال بين عباس وبين رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل، فإن الأردنيين طرحوا مسألة أن هناك دولاً عربية لا تزال تدعم قيادة حماس ولا بد من الاتصال بها. واتفق على أن يقوم عباس بزيارتين الى صنعاء والدوحة لهذه الغاية، لكن الرئيس الفلسطيني رفض التوجه إلى اليمن لأنه سبق أن رفض مباردة من رئيسه علي عبد الله صالح لترتيب لقاء بينه وبين مشعل. أما اجتماعه بأمير قطر لاحقاً فكان من دون نتائج إيجابية، إذ عبّر القطريون عن خيبتهم من طريقة تصرف الرئيس الفلسطيني الذي أمضى كل اللقاء في حال "نق على حماس وعلى العالم كله".
وبعد سفر عباس الى الولايات المتحدة واجتماعه بالرئيس الأميركي جورج بوش، تبين أنه لم يحصل منه على دعم واضح لحكومة وحدة وطنية بل نقل هو عن بوش قوله «لا نريد رؤية حماس في الحكومة لا على مستوى رئاستها ولاعلى مستوى الوزراء. الا إذا أعلنت رسمياً اعترافها بإسرائيل وأعلنت رفضها استمرار أعمال العنف». ولما شرح له عباس صعوبة تأليف حكومة من دون حماس أجابه بوش «حسناً ولكن تذكر أننا لن نتحاور معها وكل ما في الأمر أننا سنسمح للأصدقاء الأوروبيين بالتواصل معها ولكن من خلالكم أنتم".
اجتماع المنظمة
عاد عباس وكله أجواء إحباط. وسارع الى تقويم الموقف مع المقربين منه قبل أن يرأس اجتماعاً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بمشاركة عدد من ممثلي الكتل النيابية (سلام فياض وعزام الأحمد وبسام الصالحي وخالدة جرار ومصطفى البرغوثي) وبحضور أحمد قريع وروحي فتوح.
وبحسب مشاركين في الاجتماع، فإن عباس "كان في غاية التوتر والانزعاج، تحديداً من تصريحات قادة حماس، بما في ذلك ما يتصل بموضوع الرواتب» وإنه «لم يسبق أن كان في مثل هذه الحالة من التوتر والانفعال". وقال عباس، للمجتمعين، "اسمعوني جيدا، ليس لدى الرئاسة ما يغطي راتب شهر واحد، كل ما لدينا هو 50 مليون دولار من قطر و15 مليون من السعودية و2 مليون من البحرين. وهذا يغطي موازنة نصف شهر، ورئيس الحكومة (اسماعيل هنية) يعرف ذلك ووزير المالية يعرف ذلك أيضاً. لا صحة لما نشر حول 70 مليون من الجزائر. الكويت وعدت بـ50 مليون ولم تف بالوعد. في اللقاء مع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي طلبت مساعدة دول الاتحاد. جاء الرد سلبياً للغاية من خافير سولانا وشعرت بأنني أستجدي فبادرت الى سحب الطلب. من بين هؤلاء تحدث (وزير خارجية إسبانيا ميغل انخيل) موراتينوس بلغة إيجابية. أما الآخرون فتحدثوا بلغة سلبية وكرروا شروط اللجنة الرباعية".
أضاف عباس، بحسب المصادر نفسها، "في نيويورك، كانت تصريحات قادة حماس تسبقنا الى كل اجتماع مع الوزيرة (كوندوليزا) رايس ومع الرئيس بوش ومع الأوروبيين. حاولنا تسويق الاتفاق مع حماس وكنا نسمع اللغة نفسها والجميع يعيدنا الى تصريحات ومواقف قادة الحركة ووزراء الحكومة ورئيس الوزراء. وقع تحول في مواقف جميع دول الاتحاد الأوروبي والكل تحدث إلينا بلغة الإدارة الأميركية مثل أنه لا مجال لتقديم المساعدات ولا مجال لبناء علاقة مع أي حكومة فلسطينية قبل الوفاء بشروط الرباعية. يبدو أن حماس كانت تريد الوصول الى هذه النتيجة بالتصريحات والمواقف التي صدرت عن قادتها قبل وأثناء الجولة، أما العرب فقد ذهبوا الى مجلس الأمن يسعون للتوافق على آلية لتفعيل خطة خريطة الطريق ولم يسمعهم أحد. جميع الذين تحدثوا في جلسة مجلس الامن كانوا حريصين على الانسجام والتناغم مع مطالب الرباعية".
وحول الحوار مع حماس، رأى عباس "أن لا فائدة من هذا الحوار وخاصة بعد تراجع الحركة عن الاتفاق الذي تم التوصل اليه وما ألحقه ذلك من أذى سياسي. وبالتالي فأنا سآخذ برأي بعض الإخوة ولن أذهب الى غزة بل سأكتفي بإيفاد الأخ أبو مازن روحي فتوح للاجتماع بـ«هنية» وقادة حماس وإبلاغهم بالموقف".
بعد ذلك جرى نقاش للموقف في الاجتماع. كان هناك من هو مع استمرار الحوار، وخاصة الجبهة الشعبية التي قالت مندوبتها خالدة جرار إن هناك أهمية لاستمراره لأن البديل هو تدهور الوضع والتهويل بأخطار حرب أهلية. ولم يعترض البعض على استمرار الحوار، لكن مع تحميل الأميركيين وحماس معاً مسؤولية إفشال الاتفاق على تأليف حكومة اتحاد وطني على قاعدة اتفاق ابو مازن – هنية (كان هذا رأي مصطفى البرغوثي). وحصل اعتراض على صيغة الحوار الثنائي والاتفاقات الثنائية باعتبارها «صيغة غير جدية".
أما قريع فعرض لنتائج زيارته الى دمشق قائلاً "شرحت للرئيس بشار الاسد الاتفاق وتأليف حكومة وحدة وطنية. وكان جوابه: ما دمتم متفقين على ذلك، فإن سوريا تبارك وتدعم. أما نائبه فاروق الشرع فقد عرض اقتراحاً بالحفاظ على ورقة الاعتراف في الجيب، فأجبته إن وثيقة الاعتراف المتبادل وقعت عام 1993 وهذه لم تعد ورقة نحتفظ بها".
خطوات الانقلاب
لكن في غرفة جانبية، حيث كان قادة من اللجنة المركزية لحركة فتح يدرسون مع عباس الأمر، كانت هناك خطط أولية تقود الى خيار واحد: إجبار حماس على التراجع او العمل بسرعة لإقامة حكومة طوارئ. وليس في اليد وسيلة أفضل من الوضع الناشئ عن الظروف المعيشية حيث لا وجود لموازنات كافية للرواتب. علماً أن حماس كانت قد أبلغت الى عباس موافقتها على أن يتم تحويل أموال من المساعدات العربية والأوروبية باسم السلطة، اذا كان ذلك يساعد على توفير الأموال اللازمة. وحصل أن حول مبلغ 65 مليون دولار أميركي، ولكن عباس حول منها 17 مليون دولار الى الخارج علماً أنه كان بمقدوره الاستعانة بأموال الخارج لهذا الغرض. لكنه عاد وقال إن الدول ترفض هذا الخيار طالما لم يجر تغيير موقف الحكومة السياسي، وإن هناك مبالغ توازي 700 مليون دولار مقدمة من دول عربية وأوروبية مجمدة.
وبناءً عليه، تقرر مباشرة العمل على تحريك الشارع. ولكن فكرة الانقلاب تقتضي خطوة اكثر من خطوة الشارع السلمية. وجرى اقتراح من مساعدي عباس بأن يعمل على تحريك الأجهزة الأمنية التي هي تحت إمرته. وكان عباس أصدر مرسوماً قبل تأليف الحكومة الأخيرة جعل مرجعية الأمن الوطني والمخابرات العامة والشرطة والأمن الوقائي والدفاع المدني ملحقة به، بعدما ضم الأجهزة الثلاثة الأخيرة اليه وهي أصلاً تعمل بإمرة وزير الداخلية سعيد صيام.
وبالفعل، وضعت خطة بأن تُجرى تظاهرة أولى يتبعها تحرك لهذه الأجهزة في غزة وتستولي على مفارق الطرق والشوارع الرئيسية وعلى مقارّ البرلمان والحكومة وهيئة البترول من أجل وقف الإمدادات، ثم تليها حركة عصيان مماثلة في الضفة الغربية. والهدف أن يتطور الموقف ويعلن الرئيس أن الحكومة عاجزة عن ضبط الوضع فيعمد الى حلها وتأليف حكومة طوارئ قبل أن يصار الى ترتيب الأمر خلال شهر فيتم إلزام حماس بالأمر الواقع.
وبالفعل، باشرت القوى الأمنية التابعة لرئيس السلطة بالخطوات ولكن حصل أن كانت مجموعات من القوة التنفيذية في وزارة الداخلية قد تولت إفشال جانب من الخطة والتصرف بقوة. واتصل هنية بالرئيس الفلسطيني وطلب اليه إصدار أوامره وإلا فإن العصيان القائم سيواجه من القوة التنفيذية. ولما فشل مشروع الانقلاب في غزة، سارعت المجموعات الأمنية التابعة لمحمد دحلان الى الدفع نحو مواجهات في المخيمات ونقل المعركة الى الضفة الغربية.
وهكذا، دخلت الأراضي الفلسطينية في ما يشبه «حرباً أهلية»، سعت «حماس» إلى استدراكها بسحب القوة التنفيذية من شوارع غزة، بعدما سقط أكثر من 11 قتيلاً وعشرات الجرحى في مواجهات مسلحة بين الطرفين. ورغم الهدوء النسبي الذي بدأ الشارع يشهده، إلا أنه ترافق مع تصعيد كلامي بلغ أوجه أمس بإعلان كتائب الأقصى التابعة لفتح أنها تعتزم تصفية كل من مشعل وصيام ويوسف الزهار، شقيق وزير الخارجية محمود الزهار.