هآرتس ــ عوزي بنزيمان
يبدو رئيس هيئة الاركان دان حالوتس، من خلال المقابلات الصحافية التي أجريت معه عشية يوم الغفران، غارقاً في همومه وأفكاره، حائراً، وفي حالة مزاجية سيئة. يعطي حالوتس أداء الجيش في الحرب تقديراً متوسطاً، ويقول إنه مؤسسة لم تلبّ المتوقع منها، وهو يبدو كمن دفعته التجربة الصعبة التي عاشها في الشهرين الأخيرين الى الاستيقاظ.
ليس هذا قائد سلاح الجو المتغطرس الذي يشعر بأنه، بحركة خفيفة في جناح طائرته وهي تطلق القنابل، يحصد أرواح الناس، انما هو قائد الجيش الاسرائيلي الذي أعاد آخر جندي من جنوده الى الوطن بعد 81 يوماً من القتال على الاراضي اللبنانية آمراً إياهم بعدم التحرش بسكان المناطق التي يخلونها.
خفوت الرياح التي تهب من اقوال حالوتس، يبشر كما يبدو للوهلة الاولى، بأنه يمر في حالة من الصحوة والاستيقاظ، إلا أن اصرار اسرائيل على الاحتفاظ بقرية الغجر، في الوقت الراهن على الأقل، يثير الشكوك حول الافتراض بأنها قد استخلصت العبر المطلوبة من المعركة العسكرية التي عادت منها وراياتها منكّسة. تصرّ اسرائيل على عدم التفريط بورقة الغجر ومزارع شبعا لأسباب شكلية واعتبارات عملية محدودة وموضعية. قرية الغجر هي دمّلة موجعة لإسرائيل منذ سنوات، وهي ذريعة بيد حزب الله لتقديم المطالب لاسرائيل ومهاجمتها. لم تحتلّ القرية في حرب حزيران، بالمرة، بل شُملت، بمبادرة منها، مع هضبة الجولان بفعل الإلحاق الذي فرض على الهضبة، الأمر الذي حوّل القرية الى ارض اسرائيلية.
تركت اسرائيل للامم المتحدة مهمة تحديد مكانة الغجر حتى لا تمس بهذا العصب الحساس إبان الانسحاب من لبنان عام ألفين. وقسمت القرية من خلال خط حدودي وهمي، حيث يعدّ جزؤها الجنوبي منطقة اسرائيلية أما قسمها الشمالي فموجود ضمن الاراضي اللبنانية (وهناك خلاف على السيادة عليه بين لبنان وسوريا). هذا الوضع الغامض، نغّص حياة سكان القرية، لكنه كان مصدراً لإيلام اسرائيل أيضاً، إذ تحولت الى بؤرة جنائية ولغم سياسي وأمني فجّره حزب الله أكثر من مرة.
انسحبت اسرائيل من جنوب لبنان مرة اخرى قبل ثلاثة ايام، ومع ذلك أبقت الغجر بؤرة تلوث خطيرة. وبرغم أن اسرائيل تقول إنها تسعى الى حل العقدة النابعة من الاختلافات في الرأي بين سوريا ولبنان، وتأمل أن تجد الامم المتحدة صيغة لحلها، فإنها تبقي الوضع على حاله في حقيقة الأمر.
هذه نتيجة مخيّبة للآمال، وهي تشير على ما يبدو الى أن رئيس الوزراء ورئيس هيئة الاركان ووزير الدفاع يفتقدون القدرة على استخلاص العبر المطلوبة من الحرب. من الواضح لهم أيضاً، أن الغجر هي مشكلة، وأن مصلحة اسرائيل توجب التخلص منها، لذلك ينبغي إيجاد حلّ حاسم ــ سياسي وأمني ــ لكن هذا الحل يتأخر في المجيء على ما يبدو.
وهكذا، منذ بداية السنة الجديدة، وفي ظل الظروف التي انتهت بها السنة الماضية، وفوق الانجاز السياسي الذي تحقق من الحرب وتتفاخر فيه قيادة الدولة ــ نشر الجيش اللبناني وتعزيز قوات حفظ السلام ــ يُحلّق صاروخ قابل للانفجار.
من الصحيح طرح هذا الموقف بالنسبة إلى مزارع شبعا كلها. على اسرائيل أن تسأل نفسها اذاً عن صوابية النهج الذي يحول دون الإعلان عن استعدادها لإعادة هذه المنطقة ضمن اتفاق سلام، ويواصل التملص من اتخاذ قرار حاسم بصدد الجبهة التي ستقوم بتسليمها إلى سوريا أو لبنان.
في كل الاحوال، هل كان من المبالغ فيه توقّع تسبب الحرب الأخيرة بتحرير قادة الدولة من أنماط التفكير التي أسهمت في اندلاعها؟ الامور التي أدلى بها حالوتس خلال مقابلاته الصحافية تظهر أن هذا ضرب من الأوهام. صحيح أن قادة حزب الله سارعوا إلى التصريح بأن رفض اسرائيل اعادة الغجر الى لبنان سيدفع الحزب الى مهاجمتها، إلا أن رئيس هيئة الاركان يعدنا بأن حزب الله سيفكر عشر مرات قبل أن يرغب في تسخين الحدود مرة اخرى.