غزة، رام الله ــ “الأخبار”
الاتجاه الداخلي الفلسطيني في طريقه إلى الصدام. الرئيس محمود عباس “صبره ينفد” و“حماس” تبحث عن خيارات، ووزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس تدعم “اعتدال” عباس، وخياراته وصلاحياته، التي لن تكون صائبة

استغل محمود عباس (أبو مازن) أمس لقاءه مع وزيرة الخارجية الأميركية في رام الله، ليرفع سقف خيارات التعامل مع الأزمة الداخلية، ويلوّح بـ“صلاحياته الدستورية”، التي تخوّله حل الحكومة الفلسطينية والدعوة إلى انتخابات مبكرة، مجدداً مطالبة الحكومات “باحترام الاتفاقات”، وهو دفع “حماس” إلى البحث عن “خيارات” خاصة، بعدما حمّلت رايس مسؤولية “الفتنة” في الأراضي الفلسطينية، التي تواصلت تداعياتها على الأرض باغتيال مسؤول في “حماس” في الضفة الغربيةوقال عباس، في مؤتمر صحافي مع رايس، إنه سيكون على أي حكومة فلسطينية مقبلة احترام الاتفاقات الاسرائيلية الفلسطينية المبرمة. وأضاف “أكدنا أن برنامج أي حكومة فلسطينية يجب أن يستند الى الشرعية الفلسطينية والعربية والدولية، وأي حكومة يجب أن تكون ملتزمة تماماً بالاتفاقات الموقعة في الماضي من السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية”.
وأكد أبو مازن أن “الحوار مع حماس مقطوع في الوقت الراهن”. وأضاف “يجب ألا يستمر الى ما لا نهاية”، مشيراً إلى أنه اذا لم يتم التوصل الى اتفاق “ستتخذ القيادة الفلسطينية التدابير اللازمة لإخراجنا من هذه الأزمة”. ورداً على سؤال عن احتمال اجراء انتخابات مبكرة، قال ابو مازن إن “كل الاحتمالات مطروحة باستثناء الحرب الأهلية التي يجب أن نتجنبها بكل الوسائل”.
وقال عباس “تحدثنا عن كيفية إخراج الشعب الفلسطيني من الوضع الاقتصادي والسياسي السيئ، إضافة إلى علاقتنا بدول العالم الأخرى للتوصل إلى حل نهائي”. وأضاف «تحدثنا عن كيفية أن تنتهي الخلافات مع إسرائيل، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة بجانب دولة إسرائيل، وعن حكومة الوحدة الوطنية وكيف أن هذا المسار تعطل. ونحن نقول إن أي حكومة ستؤلف يجب أن تلتزم بشرعية الاتفاقيات وتتبع الاتفاقيات الموقعة من قبل السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية».
وشدد عباس على “ضرورة إطلاق عملية سلام ذات مغزى”. وأضاف أن “هذه العملية يجب أن تقود إلى تنفيذ خريطة الطريق ككل لا يتجزأ، وصولاً إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ عام 1967، وتحقيق رؤية الرئيس جورج بوش لإقامة دولتين تعيشان بأمن وسلام، بعيداً من تكثيف الاستيطان وبناء الجدران”.
بدورها، شددت رايس على “أن الولايات المتحدة ستضاعف جهودها لتحسين أوضاع الفلسطينيين”. ودعت الى تأليف حكومة فلسطينية تحترم المطالب الدولية لتكون قادرة على قيادة الفلسطينيين الى دولة مستقلة. وشددت أن على الحكومة الفلسطينية المقبلة أن تلبي الشروط التي تطرحها اللجنة الرباعية (الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا والأمم المتحدة) أي الاعتراف بإسرائيل وبالاتفاقات الاسرائيلية ــ الفلسطينية المعقودة، ونبذ العنف.
وأعربت رايس عن الأمل في تأليف حكومة “قادرة على تلبية مطالب الشعب الفلسطيني واحترام مبادئ اللجنة الرباعية لوضع أسس تحرك نحو الهدف الذي نطمح إليه جميعاً: حل يقوم على دولتين ديموقراطيتين، اسرائيل وفلسطين، تعيشان جنباً الى جنب”.
وتطرقت وزيرة الخارجية الأميركية إلى الملف النووي الإيراني، داعية “القوى العظمى الى وقف المفاوضات التي لا تنتهي مع إيران حول الملف النووي واتخاذ قرارات في هذا الشأن”. وقالت “أعتقد أننا بلغنا النقطة التي يتعين فيها على الإيرانيين الاختيار، وعلى المجموعة الدولية التصرف بناء على هذا الاختيار”.
وكان عباس قد أعلن، قبيل لقائه رايس، أن الحوار مع حركة حماس لتأليف حكومة وحدة وطنية “غير موجود”، مشيراً الى أنه سيستخدم صلاحياته الدستورية “في وقتها” اذا استمر المأزق السياسي.
وفي غزة، اتهم رئيس الوزراء الفلسطيني اسماعيل هنية رايس بالعمل على تنفيذ جدول أعمال أميركي إسرائيلي. ودعا عباس إلى تجنب استغلال “سيف الوقت” وتحديد أي موعد نهائي لجهود الوحدة.
وأبلغ هنية الصحافيين أن هناك بالفعل حكومة فلسطينية منتخبة تعبر عن إرادة الناخب الفلسطيني، لكن الحركة مع ذلك قالت إنها لا تمانع في استئناف الحوار من أجل تأليف حكومة وحدة.
أما القيادي في حركة “الجهاد الإسلامي” نافذ عزام، فرأى أن الهدف الرئيسي لزيارة وزيرة الخارجية الأميركية إلى المنطقة “هو ضرب استقرارها ومحاولة زرع الفتنة بين العرب واتباع سياسة فرق تسد، وتشتيت الأمة العربية”. وأشار إلى أن “رايس تريد حشد موقف عربي ضد الملف النووي الإيراني”.
وفي مواجهة التصعيد «الفتحاوي»، اتخذت «حماس» خطوة تصعيدية، حيث ألغت اجتماعاً ثنائياً برعاية الوفد الأمني المصري، في وقت سرّبت مصادر فلسطينية مطلعة لـ «الأخبار»، أن «حركة حماس باتت أقرب إلى التسليم بفشل مشروع حكومة الوحدة الوطنية وأنها تبحث في الخيارات البديلة». وتبدو العلاقة بين الحركتين في طريقها إلى «الصدام»، الذي تعكسه تصريحات قادتهما. ويقول زياد أبو عين، أحد مسؤولي حركة «فتح» في الضفة الغربية، «إن أي وزير أو مسؤول أو نائب في المجلس التشريعي من حماس يعبر عن موقف داعم ومؤيد لما جرى في القطاع، ستتم ملاحقته ما لم يعلن عكس ذلك صراحة».
وفي سياق الأزمة الداخلية، كشفت مصادر فلسطينية مطلعة أن «نقاشاً مستفيضاً يجري داخل الأطر القيادية والشورية في حركة «حماس»، سواء في الداخل أو الخارج وحتى في السجون الإسرائيلية، للوصول إلى أفضل الخيارات كبديل لحكومة الوحدة الوطنية.
ووفقاً للمصادر ذاتها، فإن من بين الخيارات المطروحة على طاولة البحث تأليف حكومة من المستقلين ترأسها شخصية قيادية من حركة «حماس»، أو خيار تأليف حكومة من المهنيين والأكاديميين «التكنوقراط»، وذلك بهدف الخروج من المأزق الذي تعيشه القضية الفلسطينية منذ تأليف حماس للحكومة في 29 آذار الماضي، وما أعقب ذلك من حصار دولي خانق.
وفي إطار التوتر الداخلي الفلسطيني، قال شهود عيان إن “ثلاثة ملثمين قتلوا بالرصاص قيادياً من حماس وهو يغادر مسجداً في الضفة الغربية، بعد يوم من تهديد جماعة فلسطينية منافسة بقتل أعضاء كبار في حماس”.
وقال الشهود إن المسلحين قفزوا من سيارة وأطلقوا الرصاص على محمد عودة (37 عاماً) وهو يغادر المسجد بعد صلاة الفجر في قرية حبلة قرب قلقيلية ثم انطلقوا مبتعدين. وأضافوا أن السيارة كانت تحمل لوحة أرقام معدنية إسرائيلية، ولم يذكروا المزيد من التفاصيل. والسيارات التي تحمل مثل هذه اللوحات المعدنية شائعة في بعض المدن الفلسطينية الرئيسية في الضفة الغربية المحتلة.
وفي تحذير دولي جديد من الوضع الفلسطيني، حذر الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا من أن تصاعد التوترات بين الفصائل في الأراضي الفلسطينية قد يؤدي إلى حرب أهلية.