القاهرة ــ خالد محمود رمضان
في مركز «10» السري حيث كانت غرفة العمليات الخاصة بالجيش المصري خلال حرب تشرين الأول 1973، كان الفريق سعد الدين الشاذلي، رئيس هيئة أركان القوات المسلحة آنذاك، أحد أهم أربع شخصيات أدت دوراً حيوياً ومحورياً في إدارة هذه الحرب بكفاءة وساهمت في تحقيق النصر

الشاذلي هو الوحيد على قيد الحياة من بين الشخصيات الأربع الذين قادوا الحرب عام 1973 (الشاذلي والرئيس أنور السادات ووزير الدفاع المشير أحمد إسماعيل ورئيس هيئة العمليات المشير محمد عبد الغني الجمسيوللشاذلي أحد أهم الكتب الوثائقية التي تروي قصة الحرب بعنوان «مذكرات حرب أكتوبر»، لكن الكتاب لا يزال ممنوعاً بشكل رسمي من التداول والنشر في مصر. إلا أن دار نشر أميركية خاصة تحمل اسم «دار بحوث الشرق الأوسط» أخذت على عاتقها إنشاء موقع إلكتروني رسمي على شبكة الانترنت للفريق الشاذلي، يحمل اسمه، من اجل عرض نسخة مجانية من كتابه.
في ذكرى مرور 33 سنة على «حرب تشرين» (حرب أكتوبر)، التقت «الأخبار» الشاذلي، وأجرت معه الحوار التالي:
• بعد توقف الحرب الإسرائيلية على لبنان، هل انتصر حزب الله حقيقة في المجال العسكري؟
ــ من المؤكد أن ما حدث كان فيه نصر كبير لحزب الله، لأنه عندما يوجد طرفان متخاصمان أحدهما قوي جداً والآخر أضعف بالنسبة الى الموازين العسكرية، يصبح النصر للطرف الأضعف إذا ما نجح في منع الطرف الأقوى من تحقيق أهدافه. فهذا إذاً نصر.
كلنا نعلم أن لدى إسرائيل الكثير من الأسلحة والمعدات الحربية المتطورة، وانتصرت في كثير من الحروب ضد العرب وضد الجيوش العربية سابقاً، فعندما تعجز عن تحقيق النصر على حزب الله، فهذا معناه النصر لحزب الله من دون شك.
•هل يمكن المقارنة بين «حرب أكتوبر» وما قام به حزب الله ضد إسرائيل؟
ــ لا، لا يمكن المقارنة. «حرب أكتوبر» كانت حرباً نظامية لها آلياتها بينما الأخرى حرب عصابات وأعمال فدائية ولها آلياتها أيضاً. ولكن الحروب النظامية لا تستطيع الاستغناء عن العمليات الفدائية التي يقوم بها جزء من قواتها المسلحة، ولا نستطيع القول إن الحرب الشعبية، كما حدث في لبنان، يمكن استخدامها للاستغناء عن الجيوش النظامية. الاثنان في نظري مكمّلان لبعضهما ولا يمكن الفصل بينهما.
• بعد انتهاء الحرب على لبنان، صدرت أقاويل في إسرائيل بأن هناك أهدافاً أخرى على لائحة الحرب؟ هل تعتقد بأن إسرائيل تستطيع خوض حرب جديدة ضد مصر، وهل نحن مستعدون لها؟
ــ من المؤكد أنها تستطيع أن تشن حرباً جديدة ضد مصر. وهنا من المفروض أن نتأكد من أن لدينا الإمكانيات الدفاعية لصدّ هذا الهجوم إذا حدث.
• وهل أنت مطمئن إلى قدراتنا لصدّّ مثل هذا الهجوم المحتمل؟
ــ هذا السؤال لا يمكن الإجابة عنه إلا إذا ألممت بما هو موجود فعلاً. بالنسبة إلى الموجود فعلاً والمعلن عنه، لا شك في أن إسرائيل تتفوق من ناحية المعدات على ما تملكه القوات المصرية. ولكن هل المنشور في المجلات العسكرية والدولية المتخصصة هو كل ما لدى القوات المصرية من سلاح وعتاد؟ لا أستطيع الرد على هذه المسألة لأنه ليس لدي المعلومات الكافية لكي أضع أمامي ما تملكه إسرائيل وما تملكه قواتنا المسلحة، ونقوم بالمقارنة بينهما.
• لكن إذا حدثت الحرب؟ هل نستطيع تحقيق نصر؟
ــ حتى تحقيق النصر يفترض ألا يكون عسكرياً فقط، ولا بد من أن تخدم السياسة الناحية العسكرية، وتكون معتمدة على معسكر من المعسكرات. لا يمكن الدول المتوسطة والصغيرة اليوم أن تشن حرباً وهي ليست على صداقة بأي معسكر من المعسكرات حتى تستمد منه السلاح والتأييد في النواحي السياسية في الأمم المتحدة وتضمن ألا يستخدم أحد «الفيتو» ضدها. مثلاً، إيران التي تتحدى اليوم الأمم المتحدة، لا بد في تقديري من أن لديها إمكانيات ضخمة قد لا نعرفها، فالتهديدات التي تصدر عن الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد والزعماء الإيرانيين تجعلنا نعتقد بأن لديهم إمكانيات وأنهم واثقون منها تماماً وأن إيران لديها قوة ردع بالنسبة إلى أميركا وإسرائيل.
وأظن أن هذا الأمر غير متوافر بالنسبة إلى مصر، ولا يمكن أن أطمئن إلى أن أميركا ستعطينا أسلحة لكي نقاتل بها إسرائيل، بل على العكس فأميركا تعطي أسلحة إسرائيل ولا توجد جهة بوزن أميركا تمنح سلاحاً لمصر مثل الاتحاد الروسي لأننا قطعنا العلاقات معه. كل هذه العوامل السياسية والعسكرية تجعلنا ننظر إلى الموضوع بحذر شديد.
• هل تعتقد بأن إسرائيل قد تلجأ إلى استخدام السلاح النووي فى حالة حرب محتملة مع مصر أو دولة عربية أخرى؟
ــ لا يوجد قانون دولي يمنع استخدام الأسلحة النووية وهذا شيء مضحك بينما هناك قانون دولي يمنع استخدام الأسلحة الكيميائية. والأسلحة النووية التي هي أشد فتكاً غير محظورة. ومن الناحية الإنسانية لم تستخدم منذ (قنبلة) هيروشيما عام 1945. وبالنسبة إلى النظام في أميركا أو إسرائيل، أنا لا أثق إطلاقاً بأن هناك ضميراً أو نظرة إنسانية تمنعهم من استخدام هذه الأسلحة. وهم لا ينكرون هذا. هددت إسرائيل في مراحل سابقة بأنها تستطيع أن تضرب العمق المصري والدول العربية وتستطيع أن تطول كل المدن العربية. والرئيس الأميركي جورج بوش نفسه هدَّد، في كثير من الأوقات، باستخدام الأسلحة النووية. إذاً أنا لا أستطيع أن أستبعد هذا الاحتمال مطلقاً، وإن كان المفروض أن يبقى مستبعداً. ولكن لا نستطيع استبعاده.
• وهل نحن مستعدون لهذا الاحتمال وإن كان بعيداً؟
ــ هذا السؤال يُوجّه إلى صاحب السلطة لأنه بالنسبة إلى مسألة الاستعداد أو عدم الاستعداد، يجب أن تكون كل المعلومات متاحة أمامي بما فيها السرية حتى يمكن أن أجيبك على سؤالك، ولكن طبقاً لما ينشر في المجلات العلمية والأجهزة الراصدة للأسلحة في كل دولة، فلا شك في أن إسرائيل متفوقة في أسلحتها على مصر.
• أين وثائق «حرب أكتوبر»؟
ــ حسبما أعلن في الصحف، كانت هناك لجنة مكلفة بتسجيل وتوثيق ما جرى خلال تلك الحرب والمفروض أنها انتهت من أعمالها بعد 25 سنة. لكن السلطات رأت أن بها معلومات قد تفيد العدو بعد هذه المدة الطويلة. والحرب موثّقة لأنه توجد نسخ عن جميع الأوامر والتعليمات الخاصة بها، لدى إدارة المحفوظات في وزارة الدفاع. وبالتالي فكل المستندات موجودة وتبقى فقط مسألة النشر والتوقيت، وهي مرهونة بتقدير السلطات المسؤولة. وكتَّاب التاريخ كما تعلم لا يعتمدون فقط على الوثائق وإنما أيضاً على الشهود الذين حضروا مرحلة التخطيط والإعداد للحرب.
• هل يُعقل بعد هذا الوقت الطويل أن كتابك ما زال ممنوعاً في مصر؟
ــ للأسف الشديد، فإن هذا الكتاب لم ينشر حتى الآن في القاهرة، مع أنه لم يصدر أي قرار رسمي مكتوب في هذا الشأن.



الشاذلي في سطور

الشاذلي من مواليد قرية دلتا النيل في نيسان 1922. هو المؤسس لوحدة المظلات في الجيش المصري وأصبح قائد كتيبة الجندي المظلي الأولى (1954ــ1959)؛ قائد الفريق العربي في الكونغو (1960ــ1961)؛ ملحقاً عسكرياً في لندن (1961ــ1963)؛ قائد لواء المشاة (1965ــ6619)؛ قائد القوّات الخاصّة (1967ــ1969)؛ قائد منطقة البحر الأحمر (1970ــ1971). وفي أيار 1971 عيّن رئيس هيئة أركان القوّات المسلّحة المصرية حتى عام 1973.
شغل منصب السفير المصري لدى بريطانيا (1974ــ1975) وبعد ذلك في البرتغال في 1975، حتى طرد في عام 1978 بعد انتقاده سياسات الرّئيس أنور السادات ورفضه لمبادرة السلام مع إسرائيل وزيارة السادات لتل أبيب.
وصدر ضد الشاذلي حكم قضائي بتهمة عدم حصوله على إذن مسبق من السلطات المختصة لنشر كتابه عن «حرب أكتوبر» وما تضمنه من أسرار عسكرية، لكن لي نفى هذه الاتهامات جملة وتفصيلاً.