باريس - بسّام الطيارة
مرة أخرى، انقلب السحر على الساحر، ووقع وزير الداخلية الفرنسي نيكولا ساركوزي في فخ التلاعب بالرأي العام، الذي نصبه، ليخدم ترشيحه للانتخابات الرئاسية. ومرة أخرى، كانت الضواحي الباريسية، حيث تتجمع الجاليات المهاجرة، نقطة تفجير طموحات الوزير اليميني الاستعراضية.
فقد أفاق أهالي حي «مورو» في ضاحية باريس أول من أمس على صدى «هجوم عنيف للشرطة» بحجة القبض على مطلوبين تصدّوا للشرطة، قبل أيام في هجوم مماثل على حي قريب في المنطقة نفسها.
والقاسم المشترك بين العمليتين، ليس فقط وجود الحيين في ضاحية باريس الفقيرة التي تستعدّ لذكرى مرور سنة على ما سمّي «ثورة الضواحي»، ولا كون غالبية قاطنيها المسلمين من أصول مهاجرة، بل كونها، مثل عمليات كثيرة سابقة منذ تسلّم ساركوزي وزارة الداخلية، تجري «تحت تغطية إعلامية واسعة»، ووسط «حضور كثيف» للصحافيين، الذين يجري إخبارهم مسبقاً بمكان وتوقيت عمليات الشرطة.
ولكن في المرتين الآخيرتين، واجهت الشرطة فشلاً ذريعاً، وضاعف وجود الصحافة من الصدى الإعلامي لهذا الفشل.
قبل أسبوع، فشلت الشرطة في القبض على شابين كانت تتربص بهما على مرأى من الصحافة. ودارت مواجهات تحت عدسات الكاميرات التي صورت «هرب رجال الشرطة» أمام حجارة أطفال الضاحية.
وقبل يومين، عادت الشرطة للقبض على المشاركين في المعركة الأولى، يساندها نحو مئة عنصر من شرطة مكافحة الشغب، نفّذوا عملية كوماندوس على منازل عديدة في الضاحية، مطلع الفجر.
وقد صورت كاميرات الإعلام الشرطة وهي تخلع أبواب المواطنين، وترمي النساء والأطفال على الأرض وتنبش المنازل وغرف النوم. وكانت النتيجة القبض على متهم واحد فقط!
واحتجّ عمدة حي «مورو» على عدم إخباره بالعملية مسبقاً، وندّد بالعمليات «السينمائية التي تنفّذها الشرطة من دون أية فائدة» تُرجى من الناحية الأمنية.
ويتفق الجميع على أن هذا النوع من العمليات «يكسر جسور الثقة مع المواطنين والسلطات الأمنية، ويدفع بعضهم إلى التضامن مع أشقياء الضواحي»، بدلاً من دعم السلطة.
كما يرى كثيرون أن مداواة مشاكل الضواحي لا تكون عبر «العنف البوليسي، بل بالعودة للأسباب الاجتماعية والاقتصادية»، التي تعانيها الضواحي، وخصوصاً التمييز العنصري.
وندّد العديد من الجمعيات الانسانية والأطراف السياسية بالاستخدام السياسي الذي يقوده ساركوزي لمسألة الضواحي والأمن فيها. ووُجّهت اتهامات الى وزير الداخلية بأنه يسعى إلى «زيادة تفاقم التمييز العنصري عبر دعوته الإعلام» إلى تغطية عمليات الشرطة، إذ تزيد هذه الخطوة من تطرف شرائح اليمين الذي يسعى الوزير للحصول على أصواته في الانتخابات. ومن جهة أخرى، تدفع أبناء الضواحي إلى الانكفاء على الذات في تجمعات طائفية وعنصرية تزيد من انغلاقها. لكن، يتفق الجميع على أن هذه الأحداث لا تفيد اليمين الليبرالي، الذي يدّعي ساركوزي تمثيله، بل هي تعبّر عن أقصى اليمين الممثل بجان ماري لوبن، الذي يجد في صور عنف الضواحي أفضل دعاية انتخابية له، ولحزبه المتطرف.