بول أشقر
ما الذي يحدث في كولومبيا؟ هناك منذ عشرة أيام لهجة جديدة في التخاطب بين حكومة الرئيس ألفارو أوريبي ومنظمة «الفارك» اليسارية التي تخوض الكفاح المسلح ضد الحكومة المركزية منذ عقود.
بداية، أفرجت المجموعة اليسارية عن صور نواب ولاية كاوكا الـ12 الذين خطفوا في عام 2002 لإثبات أنهم على قيد الحياة. في اليوم التالي، أعلن الرئيس الكولومبي أنه مستعدّ لسحب الجيش من منطقتين مساحتهما ألف كيلومتر مربع على مسافة خمسين كيلومتراً من مدينة كالي لتأمين ظروف التفاوض على تبادل أسرى من الطرفين، وهم 58 من العسكريين والسياسيين المعتقلين لدى المجموعة اليسارية، في مقابل معتقلين من «الفارك» يقدر عددهم بين 400 و500 عنصر.
وعلى أثر هذه التصاريح التمهيدية، أعلن الطرفان، كل على منواله، أن النجاح في التبادل الإنساني قد يفتح الطريق أمام مفاوضات سلام. وأبدت المجموعة اليسارية استعدادها للقبول بوقف النار مع بداية المفاوضات السياسية، فيما ألمح الرئيس أوريبي إلى إمكان الدعوة إلى جمعية تأسيسية في نهاية المسار التفاوضي.
إعلانات حسن النية المتبادلة فاجأت المراقبين، لأن أوريبي بنى سيرته السياسية على التغلب على مجموعة «الفارك» بقوة السلاح. وهو ما أمّن انتخابه رئيساً للجمهورية من الدورة الأولى قبل أربع سنوات، وأن يعيد إنجازه قبل أشهر بعد تعديل للدستور سمح له بإعادة الترشح. وأيضاً لأن قيادة «الفارك» ترى في أوريبي عدوّها اللدود، بل كانت لا تنعته إلا بـ «الفاشي» وترفض أية مفاوضات سياسية معه.
ما الذي تبدّل لتتوافر الظروف الآن، بعدما كانت كل الأبواب موصدة خلال السنوات الماضية؟
أولاً، ضغط أهالي المعتقلين العسكريين والمدنيين على الحكومة لكي تليّن موقفها فتضع حدّاً لعذابات هؤلاء المعتقلين في الأدغال في فترات تمتد من أربع إلى ثماني سنوات.
ثانياً، ضغوط المجموعة الأوروبية للإفراج عن السياسيين المخطوفين، خصوصاً المرشحة للانتخابات الرئاسية عام 2002 إنغريد بيتانكور، التي تحمل أيضاً الجنسية الفرنسية، والتي خطفت عندما توغلت في منطقة نفوذ «الفارك» خلال حملتها الانتخابية.
ومثّلت هذه الضغوط المزدوجة الخلفية لكي يعدل كل طرف شيئاً من مواقفه الأصلية: أوريبي يرى أن الوقت مناسب لاستبدال «قبضته الحديدية» بسياسة انفتاح تغطي على الإحراج الناتج من تورط الجيش في الفترة الأخيرة في عمليات إرهابية حاول نسبها للمجموعة اليسارية. ومجموعة «الفارك» تريد «كسر شوكة» الرئيس الرافض للتفاوض معها، خصوصاً أنها بحاجة أيضاً إلى أفق سياسي لجماعتها.
قد تؤدّي المفاوضات إلى نتائج ملموسة في ما يخص التبادل الإنساني، خصوصاً أن مجموعة «الفارك» تتحفظ على نحو ألفي معتقل من غير السياسيين والعسكريين. أما مسألة السلام، فتتطلب تمهيدات من نوع آخر وقد تمتد سنوات طويلة.
لكن المراقبين يحذّرون من أي تفاؤل مفرط، لأن الوضع لا يزال في فترة شد الحبال. ومن العقبات المتوقعة، تضمين مجموعة «الفارك»، التي في حوزتها ثلاثة أميركيين، عملية التبادل الإفراج عن كوادرها المعتقلة في الولايات المتحدة، والإصرار على سحب اسمها من لائحة المنظمات الإرهابية في الولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية.
أما من طرف أوريبي، فالخطر يكمن في أنه يفعل الآن عكس ما فعله في ولايته الأولى، وعليه أن يشرح لجنرالاته وجمهوره لماذا يقبل اليوم بما كان في متناول اليد منذ ولايته الأولى، ورفضه بعناد لأنه كان يرى فيه «تهديداً قاتلاً» لراية سياسته الأمنية.
ويرى المراقبون، الذين يدركون صعوبة التقدم في وضع معقّد مثل كولومبيا، أن شد الحبال قد يطول بعد، و«أننا لا نزال في فترة التفاوض على... شروط التفاوض».