معمر عطوي
تفجير في ذكرى ميلاد كيم إيل سونغ واستشهاد تشي غيفارا


  • بإعلانها عن نجاح تجربتها النووية الأولى أمس، تكون كوريا الشمالية قد وضعت حداً للتكهنات والشكوك، لتنضم «رسمياً» الى النادي النووي العالمي، وإن بصورة “غير شرعية” بحسب المعايير الدولية التي يضعها “السيد الأميركي”. وبهذا تكون شبة الجزيرة الكورية قد دخلت فصلاً جديداً من «مسلسل الرعب النووي»، الذي يطرح إشكاليات معاصرة حول خطورة الأسلحة غير التقليدية وجدوى استخدام ورقة التهديد بامتلاكها أو باختبارها، في لعبة تحسين شروط المواقع على ساحة التجاذبات السياسية الدوليةربما ليس مصادفة أن يتزامن موعد التجربة النووية الكورية مع ذكرى ميلاد الزعيم الكوري الشمالي الراحل كيم ايل - سونغ (1912 ــ 1994)، والد «الزعيم» الحالي لكوريا الشمالية كيم جونغ - ايل، ومع ذكرى استشهاد الثائر الأممي أرنستو تشي غيفارا؛ فالتوجهات الايديولوجية الشيوعية للنظام الحاكم تشكل بحد ذاتها «مصدر إزعاج» واضح للولايات المتحدة وحلفائها في آسيا، في عملية استحضار، قد تكون رمزية، لملامح الحرب الباردة.
    فكوريا الشمالية مصممة، على ما يبدو، الى جانب دول أخرى أطلقت عليها الولايات المتحدة اسم “الدول المارقة”، ألا تكون “مكسر عصا” لواشنطن، طالما أنها باتت تشكل تهديداً فعلياً، ليس فقط للقواعد الأميركية في اليابان، بل حتى للأراضي الأميركية نفسها.
    ولم يكن إعلانها الرسمي والعلني، عن امتلاكها السلاح النووي، في شهر شباط 2001، وتعليقها إلى أجل غير مسمى مشاركتها في المفاوضات حول برنامجها النووي، صدفة للأميركيين الذين يرصدون، منذ أيام الحرب الباردة، تحركات بيونغ يانغ وطبيعة نشاطاتها العسكرية مع الاتحاد السوفياتي السابق، الذي كان يشكل رافداً أساسياً، الى جانب الصين، لما تمتلكه من ترسانة غير تقليدية للأسلحة.
    القوة تحمي العدالة
    كان إعلان كوريا الشمالية عن تطوير أو امتلاك أو تجارب تتعلق بالأسلحة النووية، مرتبطاً دوماً بخطر واشنطن في المنطقة، ذلك أن اميركا، بنظر الدولة الشيوعية، هي الخطر الذي لا يمكن أن تأمن جانبه طالما انه يسعى الى السيطرة على العالم بذهنية تسلطية، ويلاحق كل الفلول الباقية من المنظومة الاشتراكية، إضافة إلى القوى الاسلامية واليسارية التي تقف على يسار “الامبراطور الاميركي”.
    وكانت بيونغ يانغ، لدى إعلانها عن حيازتها للأسلحة النووية عام 2001 ، قد اتهمت واشنطن بالسعي إلى إسقاط نظامها. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية في عاصمة كوريا الشمالية “نحن صنعنا أسلحة نووية للدفاع عن النفس والتعامل مع سياسة إدارة بوش الهادفة إلى عزل وتقييد (الشمال)”، مضيفاً أن “الواقع الحالي يثبت أن القوة فقط هي التي يُمكنها حماية العدالة والحق”.
    وفي عام 2002، اعترفت كوريا الشمالية بتطوير “إجراءات عسكرية مضادة قوية، بما في ذلك أسلحة نووية” لمواجهة ما سمته “تهديدات نووية من الولايات المتحدة”.
    وكانت معلومات صحافية واستخبارية عديدة تتحدث منذ سنوات طويلة عن إخفاء بيونغ يانغ معلومات حول تطويرها لأسلحة خطيرة وصواريخ باليستية ذات قدرات على حمل رؤوس بيولوجية وكيميائية ونوويةالكاوبوي والثيران
    ومن المثير للجدل أن المفاوضات السداسية التي تشمل كلاً من الولايات المتحدة واليابان وروسيا والصين والكوريتين الشمالية والجنوبية لم تفلح في إقناع بيونغ يانغ بالتخلي عن تطوير أسلحة نووية، ذلك أن التجربة مع واشنطن والدول التي تدور في فلكها لا تثبت حسن نيات “الكاوبوي الأميركي” الذي يسعى لاصطياد “الثيران” المعارضة لسياسته في العالم واحداً تلو الآخر.
    حبر على ورق
    ووافقت كوريا الشمالية، بموجب معاهدة العام 1994، على تجميد برنامجها النووي في مقابل الحصول على نصف مليون طن من وقود النفط في العام على شكل مساعدات. لكنها ألغت المعاهدة عندما اعترفت مصادر عسكرية أميركية أن مدمرتين من طراز “آجيس”، التي تحمل صواريخ موجهة مضادة للصواريخ في أوزاكا اليابانية، ستتمركز على مقربة من الشاطئ الكوري الشمالي.
    وقد اعتمدت بيونغ يانغ، خلال مفاوضاتها المتقطعة حول برنامجها النووي، سياسة حافة الهاوية والتصعيد المتواصل في سبيل الحصول على مساعدات اقتصادية، لطالما وصفتها بـ“التعويض الكافي” على وقف البرنامج النووي.
    الأزمة الراهنة
    ومنذ طرد العاصمة الكورية الشمالية للمفتشين التابعين لوكالة الطاقة الذرية الدولية في كانون الأول من العام 2002، ثمة محاولات استخبارية مكثفة لرصد تحركات أو غازات معينة تثبت إجراء محاولات لاستخلاص البلوتونيوم، علماً أن المعالجة الكيميائية للوقود المنضب من مفاعل ينبعث منها غاز الكريبتون 75، الذي لا يمكن رصده.
    ويرجح جون وولفستال، الذي عمل مراقباً ميدانياً تابعاً للحكومة الأميركية في كوريا الشمالية خلال العامين 1995 و1996، أن الولايات المتحدة نشرت أجهزة رصد للكريبتون 75 في كوريا الجنوبية وفي المياه قبالة كوريا الشمالية، وفي الجو من خلال طائرات تجسس، مشيراً إلى تقارير تفيد عن رصد مسؤولين أميركيين لغاز الكريبتون.
    وكانت كوريا الشمالية دوماً بمثابة عالم مجهول بالنسبة للاستخبارات، على حد قول وولفستال، الذي يؤكد أنه «نادراً ما يخرج من هذا البلد، الذي يعيش بمعزل عن الدنيا، أي شيء يمكن الاعتماد عليه».
    خطر الصواريخ
    ولعل ما يمكن أن يقوم به السلاح الصاروخي اليوم من تهديد، قد أعاد خلط الأوراق وعزز مخاوف الدول تجاه بعضها البعض. وبات واضحاً ان معظم البلدان تجنح الى السلم في اتخاذ قراراتها ضد الدول المعارضة للسياسة الأميركية، مثل إيران التي تعاونت مع كوريا الشمالية لإنتاج صواريخ شهاب 5 و6، بسبب ما يمكن أن تشكله هذه الدول من خطر بامتلاكها لصواريخ بعيدة المدى وعابرة للقارات.
    ويعتقد مسؤولون أميركيون أن صاروخ «تايبودونغ» الكوري الشمالي، قادر على ضرب ألاسكا وهاواي وغيرها من مناطق الساحل البعيدة عن البر الأميركي، في حين أن نسخة معدلة من الصاروخ تدعى «تايبودونغ ـ 2» يمكن أن تضرب مناطق أخرى من الأراضي الأميركية.
    وليس أدل على التذرع بهذا الخطر، من بدء طوكيو وواشنطن العمل الحثيث على إقامة درع صاروخي، بعدما أطلقت كوريا الشمالية صاروخاً فوق اليابان عام 1998.
    مخاوف واشنطن
    والحديث عن إمكانية امتلاك كوريا الشمالية لأسلحة غير تقليدية، قد دفع الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية الى تشكيل ما يشبه الحلف لمواجهة خطر محتمل، كما بدت الصين وروسيا، الحلفاء التقليديون لبيونغ يانغ، بعد تجربة الصواريخ في الخامس من تموز الماضي، أكثر حذراً تجاه ترسانة الحليف الشيوعي، وهذا ما تجسد في مواقفها الداعية الى “ضبط النفس”، والتي تطورت مع التجربة الاخيرة الى مستوى الانتقاد الشديد ووصف إجراء بيونغ يانغ بـ“التجاهل السافر” للضغوط الدولية.
    مخاوف متبادلة
    ومما لا شك فيه أن المخاوف لا تقتصر على الدول التي أعطت لنفسها حق امتلاك أسلحة غير تقليدية بل أيضاً لكوريا الشمالية هواجسها ومبرراتها؛ فقد أعلنت أكثر من مرة أن أنباء اختبارات نووية كورية جنوبية جعلتها أكثر إصراراً على عدم التخلي عن برنامج التسلح النووي.
    ودعمت بيونغ يانغ موقفها بمعلومات عن قيام سيول باختبارات سرية لانتاج 0.2 غرام من اليورانيوم المخصب في العام 2000.
    كما تشكل القواعد الأميركية المنتشرة في اليابان وشمال شرق آسيا تهديداً كبيراً للدولة الشيوعية التي تسعى الى حماية وجودها وسط تحولات عالمية بدأت مع الحرب الباردة وتصاعدت وتيرتها مع تفكك المنظومة الاشتراكية وظهور الاسلام السياسي، ومن ثم رواج ما يسمى “الحروب الاستباقية” و“الحروب الوقائية” التي تحمل مشروعاً جديداً للعالم، لا يهدد فقط بالسيطرة على الثروات النفطية والطبيعية، بل بـ“فوضى خلاقة” لا إمكانية معها للرضوخ لشروط المجتمع الدولي في عدم امتلاك الطاقة النووية كحق طبيعي.