علي حيدر
تكثّف الخطاب التحذيري المشبع بالتهديدات المباشرة أو المبطنة بين إسرائيل وسوريا أخيراً، وتحديداً منذ انتهاء القتال في لبنان في 14 آب الماضي، وتعددت التقديرات والتحليلات في ما يتصل بتبادل التحذيرات والتهديدات، وتركز السؤال على إمكانية إقدام إسرائيل و/أو أميركا على شن عدوان على سوريا في هذه المرحلة. فما هي الدوافع التي تدفع باتجاه خيار الحرب، وما هي العوامل التي تكبحه؟
كمنطلق تحليلي، يمكن العودة إلى فشل مباحثات جنيف بين الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد ونظيره الأميركي بيل كلينتون في عام 2000، إذ لم تستطع القمة تذليل العقبات التي حالت دون عقد تسوية شاملة بين سوريا وإسرائيل، الأمر الذي كرس وجود سوريا، كقوة وككيان، حائلاً دون استكمال الهيمنة الأميركية على الدول المحيطة بإسرائيل، ودون بلورة حزام أمني سياسي إقليمي يحفظ أمنها أيضاً (إسرائيل)، ويحولها إلى قوة إقليمية عظمى تشارك بشكل مباشر في الهيمنة الأميركية على المنطقة.
بدا واضحاً، منذ فشل مباحثات الأسد ــ كلينتون، أن إخضاع سوريا تحول إلى مطلب ملحّ، تعززت مكانته ومرتبته يوماً بعد يوم على الأجندة الأميركية، وفقاً لمسار التطورات المتلاحقة في المنطقة.
في موازاة ذلك، مرت سوريا أيضاً بمحطات حساسة، من أهمها تولي الرئيس السوري بشار الأسد سدة الرئاسة، وما رافقه من تقديرات وآمال إسرائيلية وأميركية وغربية عموماً، بأن تدخل سوريا عصراً جديداً مع الرئيس الشاب تكون أكثر قابلية للمساومة والتكيف مع السياسة الأميركية في المنطقة، وهي رهانات أثبتت فشلها، لكنها عادت وتجددت مع أحداث 11 أيلول، وصولاً إلى احتلال العراق والآمال التي بنيت عليه كرافعة لتغيير التوجهات السورية، ثم إخراج الجيش السوري من لبنان، وكلها محطات بدت دمشق فيها أكثر ثباتاً ومنعة وأكثر دعماً ومساندة لخيار المقاومة في لبنان وفي فلسطين.
في أعقاب ذلك، انتقل التفكير الأميركي ــ الإسرائيلي، إلى دراسة إمكانية إطاحة النظام السوري واستبداله بنظام آخر، لكن آثاره السلبية المتوقعة على إسرائيل والمنطقة، إضافة إلى الوجود الأميركي فيها، دفع باتجاه وضعه جانباً؛ فالخشية كانت كبيرة جداً من تكرار تجربة العراق على نحو أشد وأخطر.
لو تكللت الحرب على لبنان بالنجاح، لكان بإمكان الإسرائيليين والأميركيين المراهنة على هذه النتائج وعلى التداعيات المقدرة في لبنان وفي سوريا وفي فلسطين أيضاً، وبالتالي كانت لتشكل بديلاً كافياً عن أي مغامرة تستند إلى خيار مواجهة سوريا. إلا أن الفشل المدوي والهزيمة غير المسبوقة للجيش الإسرائيلي وعجزه عن تحقيق أهدافه، أسقطت ما كان يرسم للبنان وللمنطقة.
أعاد الفشل الإسرائيلي في لبنان طرح الخيارات الأميركية والإسرائيلية الابتدائية لمواجهة الواقع السياسي المستجد بعد العدوان، ومن ضمن هذه الخيارات دفع الضغوط على سوريا إلى حدها الأقصى، معززاً بسقوط الرهانات السابقة وفشلها.
التطورات التي بلغتها المنطقة، في لبنان وفلسطين والعراق وإيران أيضاً، تجعل من حسم الموضوع السوري مسألة أكثر إلحاحية، وخاصة في ظل رؤية إسرائيلية وأميركية، تعززت بعد الفشل الأخير في لبنان، ترى أن الحسم في الساحة السورية يؤمّن عزل إيران من جهة، وتطويق المقاومة في لبنان وفلسطين من جهة أخرى، إضافة إلى أنه يعيد الاعتبار لمنظومة الردع الإسرائيلية ويفتح آفاقاً جديدة أمام السياسات الأميركية في المنطقة.
يقابل الدوافع للضغط على سوريا، وصولاً إلى العدوان عليها، مجموعة من العوامل الكابحة، التي لن تغيب عن صانعي القرار في كل من إسرائيل والولايات المتحدة:
* رغم التفوق العسكري الإسرائيلي من الناحية الاستراتيجية، إلا أن سوريا تتمتع بقوة صاروخية كبيرة تستطيع الوصول إلى كل نقطة في إسرائيل، وبحجم يؤذي الكيان الإسرائيلي بقوة وفاعلية غير مسبوقة.
* لا تعدّ اندفاعة القيادة السورية المعبر عنها أخيراً في تصريحات الرئيس السوري، اندفاعة مؤقتة وغير محسوبة، وهو ما يفهمه الإسرائيلي والأميركي على حد سواء، وخاصة أن القيادة السورية، وفي العديد من الاستحقاقات الاستراتيجية، أظهرت صلابة واندفاعاً تسبب بخفض أو إنهاء توقعات الرضوخ للتهديدات والعدوان في حال حصوله.
* الفشل الإسرائيلي في العدوان على لبنان، كشف نقاط ضعف عسكرية لدى الجيش الإسرائيلي، ستراهن القيادة السورية على تكراره واستغلاله في أي مواجهة معها، إضافة إلى أن أي عدوان على سوريا قد يؤدي بحد ذاته إلى اتساع نطاق المواجهة إلى ما لا تريده إسرائيل أو أميركا.
بين العوامل المحفزة والعوامل الكابحة لأي عدوان إسرائيلي ـ أميركي على سوريا، تبقى الرؤية والموقف الأميركيان عاملاً حاسماً في الترجيح بينها، وهي رؤية مبنية على حسابات غير منطقية في كثير من مفرداتها. وبين هذا وذاك، تبقى المتابعة الدؤوبة لمتغيرات البيئة الإقليمية مسألة حيوية لاستشراف الموقف المرتقب، الذي تتداخل فيه الحسابات المنطقية والاعتبارات الموضوعية مع مزاجية أميركية وخاصة في ظل إدارة الرئيس جورج بوش.