واشنطن ــ محمد دلبح
وجدت حكومة الرئيس الأميركي جورج بوش نفسها، في أعقاب إعلان كوريا الشمالية عن تجربتها النووية، في مأزق آخر يزيد من حراجة وضعها في ظل تورطها على جبهات أخرى في العراق وأفغانستان ونزاعها مع إيران بشأن برنامجها النووي، إلا أن دبلوماسيين يرون أن الولايات المتحدة قد تستخدم التجربة الكورية لضمان موقف دولي متشدد من الملف النووي الإيراني، وهو ما بدأ المسؤولون الأميركيون التلميح إليه، في إشارة مباشرة إلى موقفي كل من روسيا والصين من القضية الإيرانية.
ويقول مسؤولون وخبراء أميركيون إن ما قامت به كوريا الشمالية يجب أن يكون بمثابة دعوة لكل من روسيا والصين إلى التخلي عن ترددهما بدعم مشروع قرار في مجلس الأمن يتضمن فرض عقوبات على إيران إذا لم تعلق برنامجها لتخصيب اليورانيوم لقاء حصولها على حزمة من الحوافز التجارية والسياسية.
والتجربة الكورية قد تكون حاسمة في تحديد الاتجاه الدولي في التعاطي مع الملف النووي الإيراني. ويتوقع أن تصبح المواقف الأوروبية، إضافة إلى روسيا والصين، أكثر تماشياً مع التوجه الأميركي بالنسبة إلى طهران، بعد الاتفاق على الخطوات الدولية الواجب اتباعها مع كوريا الشمالية، والتي لن تكون سهلة.
وفي هذا السياق، يتبدى مأزق حكومة بوش الجديد في الاقتراحات الخاصة بالإجراءات العقابية ضد كوريا الشمالية، والتي وردت في مشروع القرار الذي تحدث عنه مندوبها لدى الأمم المتحدة جون بولتون يوم الاثنين، والتي تشمل 13 مطلباً، بينها فرض حصار على كوريا الشمالية وتفتيش الوارد والصادر من البضائع جواً وبحراً وبراً، والذي يراه خبراء «عملاً من أعمال الحرب» الذي قد يجر منطقة شبه الجزيرة الكورية ومنطقة المحيط الهادئ إلى صراع لا يعرف مداه أو نتائجه.
ويرى دبلوماسيون وخبراء أن على «حكومة بوش، التي تجد نفسها رغم تهديداتها، عاجزة عن العمل منفردة ضد كوريا الشمالية أن تبحث، وهي الدولة العظمى في العالم، عن مخرج مقبول يحفظ ماء وجهها».
ويسود اعتقاد في واشنطن أن المخرج الأول يتمثل في التوجه إلى الصين الحليف الاستراتيجي المهم لكوريا الشمالية ودعوتها إلى تحمل المسؤولية بالضغط على بيونغ يانغ وإرغامها على وقف تجاربها النووية، والقول إن «أي فشل في هذا المجال ستقع مسؤوليته مستقبلاً على الصين». وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية إن «كل الأبصار مركزة على الصين ومن ثم على روسيا».
وبالرغم من أن الصين أعلنت أنها لا تستبعد الموافقة على فرض عقوبات على كوريا الشمالية، إلا أن ذلك ليس نهائياً بل إن الشكوك قد تطال مثل هذا المخرج، حيث من غير المستبعد أن توافق على محاصرة حليفها، نظراً لأنها رفضت الانضمام إلى مبادرة بوش لحظر الانتشار النووي، التي تضم أكثر من 70 دولة وافقت على اعتراض الشحنات المشتبه بها بحراً وبراً وجواً.
ويرى غاري سيمور، من مجلس العلاقات الخارجية، أن التوقعات التي تنتظرها حكومة بوش من وراء ممارسة الضغوط غير واقعية. وأضاف أنه «بالنظر إلى تورط وغرق الولايات المتحدة في مستنقع العراق، فإن قدرة واشنطن ستكون محدودة على إرغام كوريا الشمالية للانصياع واستئناف المحادثات السداسية لحل أزمة برنامج بيونغ يانغ النووي».
أما المخرج الثاني فهو التقليل من أهمية وخطورة التجربة النووية بالادّعاء علمياً واستخبارياً أنها تجربة ضعيفة ولا تشكل تهديداً للأمن في المنطقة أو العالم. وهذا ما يسمح للولايات المتحدة وحلفائها بالدعوة إلى استئناف المحادثات السداسية لحل أزمة برنامج كوريا الشمالية النووي. وهو ما بدا عندما تشككت الاستخبارات الأميركية بالتجربة النووية.
وفي الخيار الأخير قد تكون الولايات المتحدة قاصدة «التعامي» عن الواقع النووي الجديد، لتجنب المزيد من الحرج على الساحة الدولية. وفي هذا السياق قد تقوم هي نفسها بإقناع حلفائها «بضعف» التجربة الكورية، وإمكانية استئناف المحادثات السداسية معها، في محاولة لاستيعاب أي رد فعل كوري شمالي قد ينجم عن تصعيد الموقف الدولي والجنوح باتجاه عقوبات قاسية.
في مقابل الليونة مع كوريا الشمالية، من المتوقع أن يشهد الملف النووي الإيراني تصعيداً في التشدد الأميركي لتعويض بعض «الهيبة» الدولية، التي أفقدتها التجربة الكورية الكثير من قيمتها.