غزة ــ رائد لافيعمّان ــ “الأخبار”
خيارات متعدّدة أمام الأزمة الداخلية الفلسطينية بعد فشل ما يمكن اعتباره آخر المحاولات الدبلوماسية للوصول إلى نهاية غير صدامية للخلافات بين “فتح” و“حماس”

اصطدمت جهود الوساطة القطرية لإنهاء النزاع الداخلي الفلسطيني، بحسابات فصائلية ودولية، أحبطتها في مهدها، وفتحت الباب أمام خيارات قاسية، أقلّها الانتخابات المبكرة وحل الحكومة الفلسطينية برئاسة “حماس”، التي تمسكت بنفي “الفشل” القطري، فيما أصرّت “فتح” على إعلان سقوط الوساطة بأيدي “حماس”، وهو ما فعلته أيضاً القاهرة وعمّان بطريقة غير مباشرة.
وعلمت “الأخبار” من مصادر قريبة من المشاورات التي أجراها وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، أن الوفد القطري خرج بانطباع أن عدداً من مستشاري الرئيس الفلسطيني محمود عباس لا يرغبون في التوصل إلى “قواسم مشتركة”، ويسعون لإفشال مهمة الوساطة القطرية.
وكشفت المصادر نفسها عن مشادة كلامية نشبت بين المستشار القانوني لوزير الخارجية القطري وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه، على خلفية الصيغ والتعديلات المطروحة للمبادرة القطرية.
ووفقاً لمصادر مقربة من الحكومة الفلسطينية، فإن المبادرة العربية لم تطرح على بساط البحث أثناء لقاء رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية مع الوزير القطري، في مقر إقامة الوزير الضيف في قصر الضيافة في غزة. وقالت المصادر، لـ“الأخبار” إن “النقاش دار حول كلمتين فقط اضيفتا إلى الاتفاق الذي حمله الشيخ حمد من دمشق”.
وأضافت المصادر أن نقاشاً مطولاً دام زهاء ساعتين بين الطرفين، وتركّز في مجمله على كلمتي “الإرهاب” و“الدولتين”. وبحسب المصادر نفسها، فإن الوزير القطري حاول خلال اللقاء إضافة عبارة “نبذ الإرهاب” في مشروع الاتفاق.
وكمخرج مقبول، اقترحت الحكومة أن يضاف إلى جانب كلمة “الارهاب” عبارة “مع التفريق بين الإرهاب والمقاومة”، إلا أن بن جاسم قال إن الاتفاق في هذا السياق “يصعب تسويقه دولياًً”.
كما اقترح الوزير القطري إضافة كلمة “الدولتين” إلى أحد بنود المبادرة القطرية. وقالت المصادر إن النص المتوافق عليه مع قيادة حركة حماس ينص على اقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967. وأراد الوزير القطري، بعد لقائه عباس، اضافة عبارة “وصولاً إلى حل الدولتين”، الأمر الذي رفضه هنية.
وأكدت المصادر أن هاتين النقطتين هما اللتان لم توافق الحكومة عليهما، خصوصاً أنها ترفض إدانة النضال والمقاومة الفلسطينية، ووصمهما بالإرهاب من جانب الولايات المتحدة وغيرها، وكذلك ترفض قطعاً الاعتراف بإسرائيل، وهو الامر الذي أبلغته للوزير القطري بكل وضوح.
وكان الوزير القطري قد قال للصحافيين في اعقاب لقائه الثاني مع عباس وقبل مغادرته قطاع غزة، إن “هناك نقطتين لم يتمّ التوصل إلى حل في شأنهما، ونأمل أن نتوصل في المستقبل القريب إلى حل لهما”. وأضاف أن “النقطة الأساسية في الخلاف هي كيف يكون الاعتراف متبادلاً بين إسرائيل والحكومة الفلسطينية، وكيف نصل إلى صيغة تكون معه دولتان فلسطينية وإسرائيلية”.
وأشار بن جاسم إلى أن “العقبة الآن ليست مع الفلسطينيين، انما مع الأطراف الدولية الأخرى التي يجب أن تعترف بالحكومة الفلسطينية”، مضيفاً أن “النقطتين اللتين لم يتم التوصل إلى اتفاق في شأنهما هما، الاعتراف بإسرائيل ومبادرة السلام العربية”.
لكن المتحدث باسم الحكومة الفلسطينية غازي حمد قال في مؤتمر صحافي في غزة، إن “المبادرة العربية لم تطرح خلال اللقاء”. وأضاف “لسنا على استعداد لإعطاء إسرائيل شرعية مجانية”.
وعن موضوع نبذ الإرهاب، قال حمد “أكّدنا للوزير القطري أننا ضد الإرهاب الذي يتعارض مع القوانين الدولية ونهج المقاومة المشروعة التي تمنحها القوانين الدولية للشعوب المحتلة”.
وقال ياسر عبد ربه، من جهته، إن هناك قضيتين هما جوهر الخلاف والحوار الدائر لتأليف حكومة وحدة وطنية، تتعلقان بالاتفاقات وقرارات الشرعية العربية والدولية. وأضاف أن “هناك أيضاً مسائل أخرى لم تحلّ، خصوصاً موضوع نبذ العنف على أساس متبادل لأن هذه القضية نحن بحاجة إلى وضوح في شأنها”.
وقال عبد ربه إن “الوقت بدأ ينفد بالنسبة إلى حماس”. وأضاف: “هذه المبادرة هي آخر جهد سياسي يبذل، ويجب أن تُغتنم هذه الفرصة لأن البديل لهذه المبادرة هو الانتخابات المبكرة”.
وحمّل المستشار الاعلامي للرئيس الفلسطيني نبيل عمرو حركة “حماس” مسؤولية “فشل المبادرة القطرية”، ورأى أن “امام الرئيس خيارات عديدة، منها حكومة طوارئ أو انتخابات مبكرة”.
إلّا أن غازي حمد شدد في مؤتمره الصحافي، على أنه ليس هناك مجال للحديث عن انتخابات مبكرة أو حكومة طوارئ. كما أكّد أن حركته “لن تسمح بحرب اهلية ولن يكون (هناك) صدام داخلي”.
وأشار حمد إلى لقاء يتوقع عقده بين عباس وهنية، مضيفاً أن الحكومة على استعداد للاستمرار في الحوار مع الرئاسة والقوى والفصائل الفلسطينية للخروج بصيغة مقبولة بالنسبة إلى الجميع.
وندّدت وزارة الشؤون الخارجية الفلسطينية في بيان، “بمحاولات بعض مستشاري الرئيس إفشال الجهود القطرية والتحرك وفق أجندة خارجية لا تخدم مصالح الشعب الفلسطيني وتعطّل إمكان الوصول الى حكومة وحدة وطنية”.
ومع ظهور معطيات الفشل القطري، دخلت مصر والأردن على خط الأزمة لتحميل “حماس”، بشكل غير مباشر، مسؤولية الفشل. ووجّه وزير الخارحية المصري احمد أبو الغيط انتقادات حادّة الى اسماعيل هنية. وقال في حديث لصحيفة “الأهرام”: “اذا كان رئيس الوزراء الفلسطيني يرفض المبادرة (العربية للسلام) فليبحث عن حل لنفسه”.
وانتقد الوزير المصري أيضاً عدم اعتراف “حماس” بالاتفاقات الموقّعة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، معتبراً أن “على قادة حماس أن يتحملوا مسؤولياتهم”.
وفي عمان، حذّر وزير الخارجية الأردني عبد الإله الخطيب، في لقاء مع سياسيين وإعلاميين أمس في عمان، من “استمرار الأزمة السياسية على الساحة الفلسطينية ومحاولة بعض الاطراف التنصل من الجهود الرامية الى الخروج بحل عادل للقضية الفلسطينية بإلقاء اللوم على الوضع الفلسطيني القائم”، مشدداً على أن “المبادرة العربية للسلام تحظى بإجماع عربي كامل لحل الصراع العربي ــ الاسرائيلي، وأنه لا يمكن تغيير قواعد اللعبة بين فترة وأخرى في هذا الشأن”. وأضاف: إننا “نشهد دلائل غير مشجعة على عودة ارتباط القضية الفلسطينية بأجندات إقليمية، وإن هذا الأمر خطير جدّاً ولا يمكن السكوت عليه”.
إلى ذلك، ذكرت تقارير فلسطينية أن فلسطينياً استشهد وأصيب آخر برصاص القوات الإسرائيلية في ضواحي مدينة رفح جنوب قطاع غزة.