غزة ــ رائد لافيتأويلات “صلاحيات الرئاسة الفلسطينية” مختلفة، وقد تكون عنواناً لأزمة فلسطينية جديدة بعد سقوط حكومة الوحدة الوطنية، وفتح الباب أمام خيارت أخرى

برز على الساحة الفلسطينية مجدداً أمس، الحديث عن “صلاحيات الرئاسة” بعد سقوط مبادرة الوساطة القطرية “بالضربة القاضية”، فيما أشارت مصادر فلسطينية إلى أن هذه “الصلاحيات” لا توفر حلًّا جذرياً، ولا تخوّل الرئيس محمود عباس حل المجلس التشريعي أو تأليف حكومة جديدة، كما يطالب أركان حركة “فتح” في تصريحاتهم اليومية، الأمر الذي يجعل الساحة الفلسطينية عرضة لصدام جديد نتيجة محدودية الخيارات المتاحة.
وتقول مصادر فلسطينية، لـ“الأخبار”، إن الصلاحيات الدستورية للرئيس الفلسطيني لا تمنحه حق حل المجلس التشريعي والدعوة إلى انتخابات مبكرة، مشيرة إلى أن عباس قد يلجأ إلى استفتاء شعبي على انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة، في محاولة لكسب أكبر قدر من التأييد الشعبي لاستخدامه في الضغط على حركة “حماس”، باعتبار أن الحركة تشدد على احترام خيار الناخبين الذين أوصلوها إلى رئاسة الحكومة الفلسطينية.
وأضافت المصادر أن عباس لا يمكنه تأليف حكومة فلسطينية جديدة من دون موافقة “حماس”، مشيرة إلى أن منح الثقة لأي حكومة جديدة في المجلس التشريعي يحتاج إلى أكثرية الثلثين، وهو ما لا تستطيع “فتح” توفيره حتى لو جمعت الكتل النيابية الصغيرة، موضحة أن “حماس”، ومع اعتقال 38 من نوابها، لا تزال تحتفظ بأكثر من ثلث اعضاء المجلس التشريعي.
وأوضحت المصادر أن هناك اتجاهين في حركة “فتح” يتنازعان الرئيس الفلسطيني، الأول يدعو إلى عقد صفقة مع إسرائيل لإطلاق أمين سر “فتح” في الضفة الغربية مروان البرغوثي وترشيحه لمنصب الرئاسة في الانتخابات المبكرة، التي يجري الحديث عنها، ليمثّل رافعة شعبية لحركة “فتح”، على أن يكتفي عباس برئاسة منظمة التحرير الفلسطينية، فيما يوافق الاتجاه الثاني في “فتح” على إطلاق البرغوثي، لكن ليقود الحركة في الانتخابات التشريعية في وجه “حماس”، على أن يبقى عباس في الرئاسة.
في هذا الوقت، وفيما تبادلت حركتا “فتح” و“حماس” الاتهامات بمحاولة إفشال المبادرة القطرية، اتخذت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين منحى مختلفاً تماماً، فشنّ مصدر مسؤول في الجبهة هجوماً لاذعاً على قطر، واصفاً المبادرة بأنها “استجابة كاملة للموقف الأميركي المنحاز لإسرائيل، وتجاهل لواقع الاحتلال وممارساته، ولحقّ الشعب الفلسطيني في مقاومته”.
وكشف وزير الإعلام يوسف رزقة، أن “الوزير القطري حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني أبلغهم أثناء مغادرته، أن هناك أطرافاً لا ترغب بإنجاح مهمته في الأراضي الفلسطينية” من دون أن يفصح عن هذه الأطراف، غير أنه أثنى في الوقت نفسه على الموقف المسؤول للحكومة.
واتهم رزقة بعض المسؤولين المحيطين بعباس بإدارة معارك إعلامية في الفضاء المفتوح، مستغلّين تحلّي الحكومة بالمسؤولية وحرصها على المحافظة على أمانة المجالس في الغرف المغلقة. وقال إن “هناك أطرافاً تريد من حماس والحكومة اختراق ثوابتها متناسين تجاربهم السابقة على مدار عشر سنوات”.
فشل “الوساطة القطرية” أعاد الحديث من جديد عن الخيارات التي يملكها عباس. ووفقاً لمصادر فلسطينية مقربة من “الرئاسة”، فإن الخيارات المطروحة الآن تتركز على إقالة الحكومة وتكليفها تسيير الأعمال، مع البحث عن صيغة حكومية جديدة، أو اللجوء إلى خيار حكومة الكفاءات، والخيار الثالث هو اللجوء إلى انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة، وإذا لم يُصر إلى التوافق على إجرائها، يُدعى إلى استفتاء شعبي بشأن الفكرة.
وردّ رزقة بعنف على تصريحات “الفتحاويين” وعدد من مستشاري عباس بشأن قرب استخدام الرئيس لصلاحياته، وقال إن “الحديث عن خيارات لدى الرئيس واتخاذ قرارات مصيرية ونفاد الوقت، كلها أساليب سلبية و تحريضية وتسيء لقائلها”.
وبحسب القانون الأساسي (الدستور المؤقت)، لا يوجد نص أو بند في القانون يقول إن من حق الرئيس حل المجلس التشريعي. ووفقاً للقانون فإن المجلس البالغة مدة ولايته أربعة أعوام، هو سيد نفسه ولا يحق لأحد أن يحله، لكن يحق للرئيس أن يستقيل متى شاء كي يجري تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة، وليست بالضرورة تشريعية.
وقالت مصادر مقربة من حركة حماس، لـ“الأخبار”، إنه لا يحق للرئيس أيضاً الدعوة إلى استفتاء شعبي من أجل إجراء انتخابات مبكرة، لأن في ذلك تعدّياً على القانون الذي لا يذكر، من بين الصلاحيات الدستورية الممنوحة للرئيس، الحق في اللجوء لـ“الاستفتاء”، أو الدعوة إلى تبكير الانتخابات.
ورأى رزقة، من جهة أخرى، أن العمر الزمني لمبادرة السلام العربية انتهى، وأن محاولات جرّ حركة حماس إلى الاعتراف بها يهدف إلى إجهاض حالة “الممانعة الفلسطينية التي تمثّلها الحركة”. وتساءل “لماذا الدفاع عن المبادرة العربية؟... ماذا فعلت وماذا أحدثت على الساحة الفلسطينية؟... لا شيء لأن إسرائيل والإدارة الاميركية لم تعترفا بها وعملتا على إفشالها”.
وقال المستشار السياسي لرئيس الوزراء الفلسطيني أحمد يوسف، إن الوساطة المصرية للخروج من أزمة تأليف حكومة الوحدة الوطنية باتت الآن فريضة قومية وضرورة سياسية لحماية مشروعنا الوطني.
وأضاف يوسف، في بيان صحافي، أن قطر “بادرت إلى التحرك لإنقاذ الوضع الفلسطيني المتأزّم عالمياً، لكن هذه المحاولة من وزير الخارجية القطري لم تكلل بالنجاح”. وحذّر من “أن أي انتظار أو تأخير في تأليف حكومة الوحدة الوطنية ليس في مصلحة أحد، فالرئاسة والحكومة والشعب، كلهم يعيشون أوضاعاً مأزومة تتطلب جهداً إقليمياً أخوياً تتراءى فيه ملامح الضوء في نهاية النفق”.
وكان عضو المكتب السياسي لحماس في لبنان أسامة حمدان، قد قال في مؤتمر صحافي إنه “لا يحقّ لأحد أن يطلب من الحكومة الفلسطينية الحالية الاستقالة”. واتّهم عباس ومن حوله من مستشارين، بمحاولة إفشال حكومة الوحدة الوطنية، مشيراً إلى أن هدف هذا الفريق هو الانقلاب على خيار الشعب الفلسطيني بأي طريقة متاحة.
ورداً على دعوة بعض “الفتحاويين” الحكومة الفلسطينية إلى التنحي عن الحكم طواعية، قال النائب عن حركة حماس الدكتور محمد شهاب لـ“الأخبار”: “إننا نتحمل مسؤولية كبيرة مرهونة بمستقبل ومصير الشعب والقضية الفلسطينية، ومن واقع هذه الأمانة العظيمة لن نفرّط بأي شبر من بلادنا وثوابتنا وحقوقنا”.
ورأى رئيس دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات، أن الفرصة الممنوحة للحكومة شارفت على الانتهاء. وقال إن عباس سيمارس صلاحياته “أمام الوضع الخطير الذي وصل إليه شعبنا الفلسطيني وقضيته، لكنه لا يزال يمنح الحكومة فرصة تغيير مواقفها والتعاطي مع الالتزامات المطلوبة”.