باريس ــ بسّام الطيارةعاد الحديث عن مسألة «إبادة الأرمن» ليحتل واجهة الإعلام الفرنسي، وخصوصاً بعدما قدم الحزب الاشتراكي مشروع قانون يجعل من «نفي صفة الإبادة عن مجازر الأرمن جنحة يعاقب عليها القانون».
ووجّهت تركيا انتقادات شديدة اللهجة لمشروع القانون، وخصوصاً أن الرئيس الفرنسي جاك شيراك قد ربط، خلال زيارته الأخيرة إلى أرمينيا، بشكل غير مباشر بين انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي وبين اعترافها بـ«إبادة الأرمن» بين عامي ١٩١٥ و١٩١٧.
ويرى المراقبون في ذلك تحولاً كبيراً في مواقف شيراك، الذي كان يرفض باستمرار إقامة رابط بين المسألتين، علماً بأن الاتحاد الأوروبي رفض، رغم ضغوط اللوبي الأرمني القوي، أن يجعل من الاعتراف التركي شرطاً من شروط قبول فتح المفاوضات عام ٢٠٠٥ من أجل انضمام تركيا.
كما يذكر الجميع بأن شيراك كان من المدافعين عن ضرورة «بقاء تركيا متجذرة في الغرب» لما في هذا من «رسالة تواصلية مهمة توجه إلى العالم الإسلامي». إلا أن فرنسا، وتحت ضغط اللوبي الأرمني والجمعيات الحقوقية، أصبحت في عام ٢٠٠١ أول دولة تصنّف المجازر التي ارتكبت بحق الأرمن «إبادة»، وهو تصنيف يفتح الأبواب واسعة أمام تحريك قضايا جزائية ورفع دعاوى أمام القضاء الفرنسي.
ورغم أنه من المتوقع أن يصوّت البرلمان الفرنسي على القانون ليصبح نافذاً، إلا أن خط المعارضة للمشروع يشق معظم الأحزاب الفرنسية لأسباب مختلفة. ويرى المراقبون وجود فريق يصطف وراء «موقف شيراك السابق» القائل بأن هذا القانون سوف «يرسل إشارات سلبية إلى العالم الإسلامي» وإلى تركيا، التي تمر بـ«مخاض صعب لتحديث مجتمعها».
وفريق آخر يرى أنه يجب إبعاد البحث التاريخي وكتابة التاريخ عن التشريع السياسي منعاً للانزلاق في متاهات المجازر التي تركها التاريخ القريب والبعيد. ويحاجج هذا الفريق، وهو ينظر إلى مسألة الاستعمار الفرنسي والمجازر التي ارتكبت خلاله والتي لا تزال تفرض نقاشاً حامياً بين فرنسا والجزائر من حين إلى آخر.
إلا أنه حسب معلومات مقربة من بعض المعارضين لمشروع القرار، فإن أسباباً أخرى تقف وراء تردد هؤلاء في تأييد القانون، منها «معارضة بعض المثقفين والفلاسفة الجدد» للقوانين التي «تستسهل استعمال صفة الإبادة». ويرون أن «تطبيع استعمال هذا الوصف» يصب في سياق «تمييع متعمد للهولوكست»، ويخدم «سياسة نفي إبادة اليهود» على يد النازيين.
كما يقول البعض إن فتح سجل «مناقشة الجرائم التاريخية» وتصنيفها من قبل المشترعين سيعيد إلى ساحة النقاش حول مسألة العبودية وتجارة الرقيق ويفتح باب التعويضات، التي تطالب بها جمعيات إنسانية وحقوقية أفريقية وأميركية. إلا أنه يبدو أن وقوف فرنسا على أبواب الانتخابات يجعل الأحزاب الفرنسية تلهث وراء الأصوات، وخصوصاً أصوات الأقليات، ما يسمح بتغيير المواقف بين ليلة وضحاها بناء على حسابات انتخابية ضيقة لا تلتفت إلى التاريخ وذاكرته، ولا تكترث بما تتركه وراءها من ملفات نصف مفتوحة أو نصف مغلقة.
إلى ذلك، قالت المعارضة الفرنسية الاشتراكية سيغولين رويال إن تركيا يجب أن تعترف بأن الأرمن قد تعرضوا لإبادة جماعية على يد العثمانيين إذا أرادت الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وأوضحت رويال، في مؤتمر صحافي، «إذا كان لتركيا أن تؤكد ذات يوم ترشيحها وتدخل أوروبا، فإنه من الواضح أنها يجب أن تعترف بالإبادة الجماعية للأرمن».