بول أشقر
انتهت الحملة الانتخابية في الإكوادور، ووزّع المرشحون آخر مهرجاناتهم في اليومين الأخيرين بين أكبر مدينتين: كيتو الجبلية وغواياكيل الساحلية.
لكن المنافسة بين المدينتين، والتي تجعل من موضوع اللامركزية موضوعاً خلافياً ودائماً في الحياة السياسية الإكوادورية، تلخص أيضاً قصة هذا البلد، الصغير نسبياً في أميركا الجنوبية، بسكانه - حوالى 15 مليون نسمة - وبمساحته - حوالى 290 ألف كيلومتر مربع.
وتحكي هاتان المدينتان تاريخ العلاقات بين المناطق الجغرافية الثلاث التي تتكون منها الإكوادور – إسوة بدول أخرى من دول سلسلة جبال الأندس- والتي تفسر قسماً كبيراً من التغييرات الاقتصادية السياسية التي أخذت تطبع ببصماتها آخر الانتخابات في هذه الدول.
أولاً، المناطق الجبلية حيث تتمركز الشعوب الهندية الريفية ومؤسسات الدولة الكولونيالية، ومن ثم الدولة المستقلة وبيروقراطيتها، وتقليدياً سلطة الكنيسة المحافظة والمالكين الزراعيين.
ثانياً، الساحل حيث نمت الرأسمالية، بدءاً من الخمسينيات بمرافئها وزراعاتها التصديرية ومهاجريها وزنوجها وأفكارها الليبرالية، بالأمس كقوة تقدمية واليوم كقوة اعتراض على وزن الدولة ودورها التوزيعي.
وأخيراً، منطقة “أورينتي”، أي المشرق، في منطقة الأمازون الغنية بالموارد النفطية.
في أواسط القرن العشرين، تخطت غواياكيل كيتو بعدد سكانها وبأهميتها الاقتصادية، وكانت مركز التصديرات التي قام عليها الاقتصاد الإكوادوري، وليس من الصدفة أن يأتي هذه المرة المرشحون الأربعة الأول من مدينة غواياكيل.
تسري في الإكوادور مزحة تطلب من الناخبين أن يحسنوا اختيار نائب الرئيس لأن آخر ثلاثة رؤساء منتخبين لم يكملوا ولاياتهم. ربما لذلك أيضاً، تخصص الصحف المحلية للمرشحين إلى نيابة الرئاسة المساحة نفسها المخصصة للمرشحين على الرئاسة.
أول هؤلاء الرؤساء سياسي شعبوي من غواياكيل، عبد الله بوكرم، الملقب بـ“المجنون” بسبب أطواره الغريبة: تمّ انتخابه عام 1994، ونجحت نخب كيتو في إقصائه عند أول فرصة. وبعد انتهاء ولاية نائبه، نجح عمدة مدينة كيتو جميل معوض في الوصول إلى سدة الرئاسة عام 1998، وإصراره على إقرار الإصلاحات الاقتصادية النيو ـ ليبرالية أدى إلى اندلاع العنف في العاصمة.
وفي بداية عام 2000، أعلن معوض حالة الطوارئ وخطة لدولرة الاقتصاد، وبعد عشرين يوماً، سقط أمام تحالف عدد من الضباط الصغار مع الحركة النقابية والحركة الهندية. وكانت هذه الأخيرة قد عرفت نمواً وانتظاماً في التسعينيات جعلها تتمتع بنوع من حق النقض في معترك الحياة السياسية بسبب قدرتها على تعطيل الحياة في العاصمة الموجودة في منطقة نفوذها، فالسكان الأصليون في الإكوادور لا يمثلون أكثر من ربع السكان، فيما أكثرية الشعب من “المستيسوس” أي الممزوجين.
ومن بين الذين ساهموا في الانقضاض على معوض، الضابط لوسيو غوتيرز، الذي نجح في انتخابات عام 2002 بالتحالف مع الحركة الهندية. ولكنه سرعان ما اختلف مع حلفائه الذين غادروا الحكومة، وتخلى غوتيرز عن برنامجه الاقتصادي بحثاً عن أكثرية سياسية لم يجدها.
في عام 2005، أجبر على مغادرة السلطة ـ أسوة بأسلافه ـ على أثر حركات شعبية اعتراضية تقاطعت مرة أخرى مع مناورات سياسية لأخصام له في المجلس.
هل تتجدد القصة نفسها مع الرئيس الذي سينتخب هذه المرة؟
تحسباً لهذا الخطر الذي قد يواجهه، يقترح الراديكالي رافائيل كوريا، الذي يتقدم استطلاعات الرأي، الدعوة إلى استفتاء حول ضرورة إقرار دستور جديد، بعد ثماني سنوات على آخر جمعية تأسيسية. وفيما تشير آخر استطلاعات الرأي غير الرسمية إلى أن رجل الأعمال ألفارو نوبوا، أحد أغنى رجالات الإكوادور، قد يكون خصم كوريا في الدورة الثانية، يحذر المرشح الثالث ليون رولدوس الاشتراكي المعتدل من خطر اختيار خصميه للدورة الثانية، ما يعني برأيه “أن الولاية المقبلة لن تدوم سنوات بل أشهراً قليلة”.