غزة ــ رائد لافي
التصعيد الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية قد يكون باباً لحل الأزمة الداخلية، التي بدأت أطرافها تبلور مبادرات حل للخروج من عنق الزجاجة

دخلت الأزمة الداخلية الفلسطينية في سباق لاستنباط مبادرات حل لاحتواء الوضع المتوتر، قبل عدوان إسرائيلي واسع مرتقب على قطاع غزة، بعد تجديد سلطات الاحتلال التهديد بعملية “كيلا يتحول القطاع إلى لبنان ثان”، فيما استشهد خمسة فلسطينيين في الضفة الغربية في اعتداءات إسرائيلية على نابلس وجنين.
وكشفت مصادر فلسطينية مطلعة، لـ “الأخبار”، أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس يفضّل تأليف حكومة من المستقلّين، بغضّ النظر عن مدتها، سواء كانت لمدة أربعة اعوام أو لمدة عام واحد فقط، كما تطالب عشرات الشخصيات الوطنية والأكاديمية الفلسطينية، كأحد خيارين للخروج من الأزمة الراهنة التي تفتك بالوضع الفلسطيني.
وأوضحت المصادر نفسها، أن عباس جوبه بمعارضة بعض الفصائل والقوى السياسية الفلسطينية لهذا الاقتراح، فلجأ إلى طرح بديل آخر يتمثل في تأليف حكومة وحدة وطنية من وزراء تختارهم الفصائل، على ألا يكونوا من ذوي الوجوه والصفات الحزبية الفاقعة، اعتقاداً منه أن هذا الاقتراح يمثّل مخرجاً من الأزمة التي تعصف بالساحة السياسية الفلسطينية.
ووفقاً للمصادر المطلعة، فإن عباس لا يعارض أن تكون حكومة الوحدة الوطنية برئاسة شخصية من حركة حماس أو مقربة منها ليس لها صفة قيادية بارزة أو حزبية فاقعة في الحركة. وأضافت أن أبو مازن لا يمانع في أن تتولى رئاسة الحكومة المقترحة شخصية من ثلاث معروفة بولائها لـ“حماس” وهي: وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الحالي، ورئيس مجلس أمناء الجامعة الاسلامية جمال الخضري، ووزير التخطيط ووزير المال بالإنابة الدكتور سمير أبو عيشة، أو نائب رئيس الوزراء ووزير التربية والتعليم العالي الدكتور ناصر الدين الشاعر، الذي يتمتع بعلاقة طيبة مع عباس.
ولوحظ أن الرئيس الفلسطيني، الذي غادر غزة الخميس الماضي من دون لقاء رئيس الوزراء إسماعيل هنية، التقى في اليوم التالي الشاعر في مقر المقاطعة، في حضور وفد من الوزراء في الضفة. وكان لافتاً حرص الشاعر على التصريح بأن اللقاء جرى بالاتفاق مع هنية.
ومعروف عن الشاعر، الذي يقول إنه ليس عضواً في حركة حماس، مواقفه السياسية التي تحمل الكثير من الليونة بخلاف مواقف وزراء “حماس” ونوابها.
ورغم ذلك، تستبعد مصادر مطلعة أن يكون الشاعر المقيم في الضفة الغربية، على رأس الحكومة المقبلة، مهما كان شكلها، لكون حركة حماس تفضّل أن يكون رئيس الوزراء من غزة، الأمر الذي يصب في مصلحة الخضري، لدى المفاضلة بين الشخصيات الثلاث.
وبالتوازي مع خيارات “الحل”، ذكرت مصادر فلسطينية أن عنصراً من القوة التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية الفلسطينية وآخر من “كتائب شهداء الاقصى”، الذراع العسكري لحركة فتح، أصيبا بجراح في تجدد للاشتباكات المسلحة بينهما شمال قطاع غزة.
وجاءت هذه التطورات في أعقاب اختطاف مجموعة تابعة لكتائب شهداء الاقصى في بيت لاهيا شمالي القطاع ثلاثة نشطاء من “حماس”.
ونبذ المتحدث الرسمي باسم الحكومة الفلسطينية غازي حمد العنف في الاراضي الفلسطينية، داعياً إلى اقتلاعه ووقف ممارسته. وتساءل “ماذا بقي لنا ونحن نمارس العنف على أنفسنا، على مواطنينا، على من يفترض أن نحميهم ونذود عنهم. أليس من الأولى أن نخجل من أنفسنا، ونخجل من هذا السلوك المشين الذي يفضحنا أمام شعبنا وأمام العالم”. ودعا إلى عقد مؤتمر مصارحة ومصالحة “نندم فيها على ما اقترفنا من أخطاء وخطايا، ونعترف فيها، ونعاهد الله ثم نعاهد شعبنا على أن نطلّق العنف إلى الأبد، وألا نلجأ بعد اليوم إلى رصاصة أو قذيفة أو كلمة شائنة، وأن نغلّب فينا روح التسامح والمحبة”.
في هذا الوقت، صعّدت قوات الاحتلال الإسرائيلي اعتداءاتها على الضفة الغربية وقطاع غزة. وأعلنت مصادر طبية فلسطينية أن الجيش الاسرائيلي اغتال أمس ثلاثة فلسطينيين، بينهم عمر زكارنة (18 عاماً) الشهير باسم “السحو”، وهو عضو في الجناح العسكري لحركة الجهاد الاسلامي، في بلدة قباطية قرب مدينة جنين في شمال الضفة الغربية.
وقالت المصادر إن زكارنة استشهد عقب إصابته بقذيفة مزقت جسده أطلقها جنود الجيش تجاهه أثناء الاشتباكات بين قوة إسرائيلية وعناصر مسلحة فلسطينية. والشهيدان الآخران هما هاني كميل (24 عاماً)، وعز الدين كميل (16 عاماً).
وذكرت المصادر أن الجنود لاحقوا المواطنين الفلسطينيين واتخذوا منازلهم ثكناً عسكرية بعد حملة من “التخريب والعبث” فيها بدعوى التفتيش والبحث عن مطلوبين للأمن الاسرائيلي.
وفي نابلس، استشهد عادل ابو الريش (23 عاماً)، الناشط في كتائب شهداء الاقصى المنبثقة من حركة فتح، وفراس ابو الريش القريب من فتح برصاص وحدة خاصة في الجيش الاسرائيلي في مخيم عسكر للاجئين.
وأصيب أربعة فلسطينيين في قرية طوباس في الضفة الغربية أيضاً بجروح جرّاء إطلاق النار من جانب القوات الاسرائيلية هم: جهاد دراغمة، مراد سعيد صوافطة، ناجي ابو عامر، وأيسر مسلماني.
واعتقلت قوات الاحتلال سبعة “مطلوبين” من حركتي “حماس” و“الجهاد” في ضواحي مدينتي بيت لحم والخليل، بينهم “مطلوبة” من “حماس”.
وذكرت مصادر أمنية وشهود عيان، أن الجيش الاسرائيلي شدد أمس قبضته على مدينة سلفيت، وسيّر عدداً من الدوريات على طول الطريق الرئيسي الذي يمر في وسط المدينة، والذي يمتد من كفر قاسم في أراضي 48، وحتى حاجز زعترة شرقي سلفيت، والذي يفصل شمال الضفة عن جنوبها.
وكررت سلطات الاحتلال تهديدها بشن عملية برية واسعة النطاق على المجموعات المسلحة الفلسطينية، التي تطلق الصواريخ نحو اسرائيل، بهدف تجنب ان يتحول قطاع غزة الى “لبنان ثان”.
وقال وزير استيعاب المهاجرين زئيف بويم “لن يكون أمامنا خيار آخر على ما يبدو إلا اطلاق عملية كبيرة، مثل عملية السور الواقي، من أجل تدمير مخزون السلاح وضرب المنظمات الارهابية”.
وكان بويم يشير الى عدوان “السور الواقي”، الذي نفّذه الجيش الاسرائيلي في نيسان 2002 في الضفة الغربية وأدّى إلى استشهاد اكثر من مئتي فلسطيني.
وبرر بويم أيضاً عملية عسكرية واسعة النطاق محتملة بقوله إن الرئيس الفلسطيني وحركة فتح “يبديان ضعفاً ولا يستغلان وضع حماس الصعب”.
وفي سياق منفصل، طالب مدير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في قطاع غزة جون غينغ، المجتمع الدولي بفك الحصار المالي والاقتصادي عن الشعب الفلسطيني، واصفاً الأوضاع المعيشية في الأراضي الفلسطينية بأنها “كارثة انسانية حقيقية”.