محمد بدير
«إسرائيل بيتنا وفلسطين بيتهم». هكذا يختصر أفيغدور ليبرمان رؤيته لحل الصراع مع الفلسطينيين، ولا يقصد بـ«الفلسطينيين» سكان الضفة والقطاع فحسب، بل أيضاً فلسطينيي 48، في إطار خطة ترحيلية تقوم على مبدأ تبادل الأراضي ــ والسكان ــ مع السلطة الفلسطينية، سعياً إلى ترسيم الحدود النهائية «لدولة إسرائيل» التي يريدها ليبرمان «يهودية» بامتياز، حتى لو كان ثمن ذلك اتهامه بالعنصرية، وهو اتهام يبدو أنه لا يضيره كثيراً، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بالنظرة إلى العرب.
من مهاجر روسي في العشرين من العمر، يعمل حارساً على أبواب الملاهي الليلية، إلى رئيس رابع كتلة برلمانية، من حيث الحجم، في الكنيست الإسرائيلي، شق أفيغدور ليبرمان (أو «إيفيت»، اسم الدلع) طريقه بعزم وتصميم، ليصبح أحد أكثر الشخصيات المثيرة للجدل على الحلبة السياسية الإسرائيلية، إن لجهة تصريحاته العنصرية والحادة في عدائيتها تجاه العرب، أو لجهة مواقفه من منظومة الحكم الإسرائيلية ومؤسساتها التي لم تسلم أي منها من انتقاداته اللاذعة.
هاجر ليبرمان (48 عاماً) من مولدافيا إلى «إسرائيل» في العام 1978، وبدأ حياته الجديدة حارساً في ملهى ليلي في الجامعة العبرية بالقدس المحتلة، فحمالاً في مطار بن غوريون، قبل أن يدخل معترك الشأن العام من باب العمل النقابي، حيث عُين سكرتيراً لـ«نقابة العمال الوطنية» في القدس المحتلة، ليتدرج لاحقاً في مناصب إدارية مختلفة ضمن دوائر مؤسساتية أهلية، وصولاً إلى وضع رجله على الدرجة الأولى من سلم الحياة السياسية مع تعيينه في عام 1993، مديراً عاماً لحزب الليكود، الذي انتسب إليه قبل نحو عقد. وكان ليبرمان على موعد مع الشهرة على الساحة السياسية الإسرائيلية في عام 1996، عندما عينه رئيس حزب الليكود الفائز في الانتخابات، بنيامين نتنياهو، مديراً لمكتب رئاسة الحكومة، لتبدأ من هناك رحلة ليبرمان مع الصعود السياسي الصاروخي نحو مشارف القمة، التي لا يخفي طموحه في الوصول إليها.
عرف ليبرمان في تلك الفترة بأنه «رجل المهمات القذرة» لبنيامين نتنياهو، واقترن اسمه بفضيحة «بار أون» (محاولة تعيين مدعٍ عام يُتفق معه على إلغاء لوائح اتهام بحق زعيم حزب شاس في حينه ارييه درعي في مقابل تقديم الأخير الدعم البرلماني لنتنياهو)، وهي قضية كادت تطيح نتنياهو من سدة رئاسة الوزراء.
اضطر ليبرمان للاستقالة من منصبه بعد عام، على خلفية قضية جنائية تتعلق بالاعتداء بالضرب على طفل، لكنه بقي من بطانة نتنياهو الخاصة، وأسس في العام 1999 حزب «إسرائيل بيتنا»، بإشارة من الأخير، إثر خلاف نشب بينه وبين رئيس حزب «يسرائيل بعالياه» نتان شرانسكي، الذي كان حتى ذلك الوقت يحتكر، من خلال حزبه، التمثيل السياسي لجمهور المهاجرين الروس في إسرائيل، وهو الجمهور الذي طمح نتنياهو، كما غيره، إلى استقطاب ولائه... وأصواته.
استقى حزب ليبرمان الجديد قوته التمثيلية من هذا الجمهور بالتحديد، وحصل، في أول انتخابات خاضها عام تأسيسه، على أربعة مقاعد في الكنيست، أهلته للحصول على حقيبة البنى التحتية في حكومة أرييل شارون الأولى في عام 2001. حتى ذلك الوقت كان برنامج ليبرمان السياسي يتمحور بشكل رئيسي حول شعار استيعاب المهاجرين الروس ودمجهم في المجتمع الإسرائيلي، ولم تكن لطروحاته في الشأن الأمني والإقليمي الصدى الواسع الذي حصلت عليه في انتخابات عام 2003، التي خاضها بلائحة مشتركة مع حزب «موليدت» اليميني المتطرف، سميت لائحة الاتحاد القومي وحصدت سبعة مقاعد نيابية سمحت لليبرمان بتسلم حقيبة المواصلات في حكومة شارون الثانية. إلا أن شارون ما لبث أن أقاله بعد نحو عام، على خلفية توجه ليبرمان إلى التصويت ضد خطة فك الارتباط عن قطاع غزة. وبقي ليبرمان في المعارضة، وخاض من صفوفها انتخابات العام 2006 ليحصد فيها 11 مقعداً نيابياً، ويصبح رئيساً لأكبر رابع كتلة برلمانية في الكنيست الإسرائيلي. يعد حزب «إسرائيل بيتنا» نفسه استمراراً لنهج الزعيم القومي الصهيوني، زئيف جابوتنسكي، ويرتكز على ما يراه المبادئ الثلاثة الرئيسية للصهيونية: الهجرة، الأمن، والاستيطان. وتتجسد هذه المبادئ في دولة قومية يهودية؛ أما السبيل إلى تحقيق ذلك فتمر عبر ترسيم الحدود مع السلطة الفلسطينية بعد نقل المناطق المأهولة بأغلبية عربية داخل إسرائيل (كأم الفحم والطيبة) إليها، وضم، في مقابل ذلك، التجمعات الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية إلى إسرائيل. وتسري هذه القاعدة التي تضمن لإسرائيل سلامتها أمام التهديد الديموغرافي الفلسطيني على منطقة القدس أيضاً.
يرفض ليبرمان الانسحابات الأحادية، كما يرفض قيام دولة فلسطينية، ويرى أن حكماً ذاتياً للفلسطينيين، كما هو متجسد الآن بالسلطة الفلسطينية، أمر كافٍ لهم. وإذ يعلن عدم إيمانه بـ«كذبة» التعايش بين اليهود والعرب، يدعو إلى تهجير فلسطينيي الداخل، ولمن يبقى منهم يقترح سن قانون مواطنة جديد يشترط أداءه يمين الولاء للدولة والخدمة العسكرية في صفوف الجيش قبل أن يحصل على الجنسية، وإلا يكن بحكم المقيم، ويُحرم الحقوق السياسية. من بين تصريحات ليبرمان الأكثر صخباً، كان ذلك التصريح الذي قارن فيه، من على منبر الكنيست، بين قيادات الجمهور العربي في الكنيست، والمتعاونين مع النازية، وأعرب عن أمله أن يُعدَموا كما أُعدم أولئك بعد الحرب العالمية الثانية.