حاوره خالد محمود رمضان
دافع رئيس «الجمهورية الصحراوية» الأمين العام لجبهة «بوليساريو» محمد عبد العزيز، في حوار مع «الأخبار»، عن علاقات الجبهة مع الجزائر، وانتقد الموقف العربي من القضية الصحراوية، وإغلاق الباب أمام الاتصال بمبعوثين للجبهة، وهو ما اعتبره «مفارقة مضحكة»، إذ إن الملف موجود لدى الاتحاد الأفريقي ومنظمة الأمم المتحدة، مشيراً إلى وجود علاقات جيدة للجبهة مع دول عربية مثل الجزائر وموريتانيا وليبيا وسوريا. ونفى أي اتصالات للجبهة مع إسرائيل

هل تشعرون بالقلق من الحديث عن تقارب بين الجزائر والمغرب؟
ــ التقارب أو عدم التقارب الجزائري المغربي شأن يخص البلدين، ونحن في الصحراء الغربية كنا دائماً نرحب بأي تقارب بين بلدان المغرب العربي، وبالتالي فإننا ننظر إلى أي تقارب على أنه سيكون في مصلحة تحقيق الحلم المغاربي. نحن جزء من المغرب العربي، ولا يمكن الاتحاد أن يقوم إلا بإيجاد حل عادل لنزاع الصحراء الغربية. والدولة الصحراوية سيسعدها أن تنضم إلى هذا الاتحاد وتعمل مع بقية الأعضاء في إطار من التعاون البنّاء وحسن الجوار والاحترام المتبادل.
لا بد من أن أشير هنا إلى مفهوم مغلوط، زرعته الدعاية المغرضة في أوساط الإعلام العربي، عن طبيعة الموقف الجزائري حيال نزاع الصحراء الغربية، ومن الإجحاف والظلم تصوير موقف الجزائر وكأنه موقف فردي لدولة معينة، بينما هو في الواقع موقف العالم برمته لأنه متطابق مع قرارات الأمم المتحدة في شأن هذه القضية.
الجزائر لا تطالب بأرض أو ثروة وليست لها أي مطامع ترابية مثل المغرب في الصحراء الغربية، وكل ما تطالب به هو ما تطالب به القرارات الدولية من تصفية الاستعمار وتقرير المصير للشعب الصحراوي.

¶ لماذا يظل ملف الصحراء الغربية بعيداً من الوساطة العربية إن صح التعبير؟
ــ نحن لسنا عضواً في الجامعة العربية، ولم يسبق لنا أن حضرنا أية قمة عربية، ولعلمكم فإن القضية الصحراوية، على رغم أنها قضية دولية لا غبار عليها، تناقش دورياً في الأمم المتحدة، وقضية أفريقية، فنحن عضو في الاتحاد الأفريقي، إلا أنها لا تناقش في الجامعة العربية.
المفارقة هنا جلية ومضحكة، ولكن النظام الداخلي للجامعة، الذي نأمل أن تسهم القمة الأخيرة في تغييره نحو الأحسن، لا يسمح بذلك ما دام هناك دولة عضو، هي المملكة المغربية، لا توافق عليه، بحجة المساس بوحدتها الترابية.

¶ ماذا عن حجم علاقاتكم مع الدول العربية؟ وهل لديكم اتصالات سابقة مع الجامعة العربية؟
ــ مع الأسف الشديد، هذا الانغلاق في التعامل مع القضية الصحراوية على مستوى الجامعة العربية يسري في الكثير من أوصال الحكومات العربية، التي أغلقت الباب حتى في وجه الحوار مع ممثلين لجبهة البوليساريو، فما بالك بإقامة مكاتب.
لكن تربطنا علاقات جيدة مع دول عربية مثل الجزائر وموريتانيا وليبيا وسوريا، وعضويتنا في الاتحاد الأفريقي تقتضي إجراء اتصالات مع الدول العربية الأعضاء في هذه المنظمة.
أما بخصوص الانضمام إلى الجامعة العربية، فنحن على أتم الاستعداد لذلك، إذ نرى فيه تجسيداً للبعد العربي، الذي كنا نعتز ونفاخر به منذ بداية كفاحنا ضد الاستعمار الإسباني. ونحن لا نفهم هذا الجفاء لدى بعض العرب تجاه شعب صغير متمسك بعروبته ولا يطالب سوى باحترام حقه، الذي كفلته له كل المواثيق والقرارات الدولية.
لقد كانت لنا محاولات اتصال بالجامعة العربية منذ مطلع السبعينيات، حين أعلنّا الكفاح ضد الوجود الاستعماري الإسباني، ولا أعتقد أن هناك ما يمنع الاتصال، ولكن المشكلة هي في قدرة الجامعة على تبني موقف واضح وصريح، منسجم مع الشرعية الدولية، تماماً كما فعلت في قضايا أخرى، مثل القضية الفلسطينية، لأن الإطار القانوني والشرعي الدولي هو نفسه تماماً. لماذا هذا التناقض إذاً؟

¶ ماذا عن موقف مصر الرسمي منكم؟ وهل كانت لديكم في أي مرحلة اتصالات لإقامة علاقات معها وفتح مكتب تمثيلي في القاهرة؟
ــ لقد أخذنا على حكومات مصرية سابقة أنها لم تعلن صراحة موقفاً منسجماً مع الشرعية الدولية، وهو أمر منطبق على العديد من الدول العربية. وحسب تصريحات مسؤولين مصريين، فإن القاهرة اليوم تؤيد جهود الأمم المتحدة لحل النزاع وفق قرارات الشرعية الدولية. ونحن نعتبر هذا موقفاً إيجابياً، ولكن لا بد من تدعيمه في اتجاه الضغط على المغرب لاحترام حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير.
جرت اتصالات متفرقة ومتعثرة حتى الآن بغية إقامة مكتب صحراوي في القاهرة، وليس هناك ما يبرر عدم وجود مثل هذه المكاتب في الدول العربية ما دامت منتشرة في أوروبا وآسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، حيث لدينا سفارات لا فقط مكاتب، للدولة الصحراوية جنباً إلى جنب مع السفارات والقنصليات المغربية. لا أدري ما هو مبرر هذه السطوة المغربية على الدول العربية؟

¶ يلاحظ أن بعض الدول الأفريقية تناصركم ثم تتراجع بعد اتصالات مع المغرب، هل تعتقد أن هذه الدول تقوم بابتزازكم سياسياً لخدمة مصالحها؟
ــ الواقع أن القارة الأفريقية، على عكس الجامعة العربية، احتضنت القضية الصحراوية منذ البداية، تمسكت بموقفها الواضح والمنسجم مع ميثاقها، وخصوصاً ضرورة استكمال تصفية الاستعمار من القارة الأفريقية، باعتبار الصحراء الغربية هي آخر مستعمرة في القارة، وضرورة تمكين شعوب القارة، بما فيها الشعب الصحراوي، من ممارسة حقها غير القابل للتصرف في تقرير المصير، ومبدأ احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار كخيار استراتيجي اعتمدته المنظمة غداة تأسيسها.
ومنذ خروج المغرب من المنظمة الأفريقية غداة انضمامنا إليها عام 1984، وهو يحاول بكل الطرق المساس بمكانتنا في القارة، مدعوماً من أطراف دولية أخرى، عبر العمل على تجميد اعترافات بعض دول الاتحاد الأفريقي وغيرها، ولكن ثبت بالملموس أنه عمل لا طائل من ورائه، لأن الأساسي هو احترام الشرعية الدولية. وعلى المغرب أن يدرك ذلك مثلما على المجتمع الدولي أن يضغط من أجل استكمال تصفية الاستعمار من آخر مستعمرة في أفريقيا.

¶ بعض الجهات تدّعي أن لكم علاقات سرية مع إسرائيل. هل هذا صحيح؟
ــ لا علم لي بالجهات التي تقول إن هناك علاقات سرية بيننا وبين إسرائيل.

¶ كيف تقوّم علاقتكم مع الاتحاد الأوروبي وأميركا؟
ــ لسنا في صدد الحديث عن علاقات متميزة، ولكننا نقر بأن موقف الولايات المتحدة هو مع تطبيق الشرعية الدولية. أما في أوروبا فكما قلت لك، نحن نتمتع بحضور واسع عبر مكاتبنا المنتشرة في معظم الدول الأوروبية، والحركة التضامنية مع الشعب الصحراوي في أوروبا في اتساع مستمر.
وكنا مستعمرة إسبانية سابقة، غير أننا لاحظنا على الحكومة الاشتراكية السابقة بعض التردد وعدم الوضوح في ما يخص دعم الحل العادل القائم على احترام قرارات الشرعية الدولية وتمكين الشعب الصحراوي من تقرير مصيره عبر استفتاء حر، عادل ونزيه.
الحكومة الفرنسية بالنسبة إلينا تمثل عقبة حقيقية في طريق إيجاد هذا الحل، فهي تدعم المغرب وتشجعه على تعنّته ورفضه الامتثال للشرعية الدولية. كما أن لها تأثيراً سلبياً داخل دول الاتحاد الأوروبي.

¶ لسنوات طويلة ارتبط اسمك باسم الجمهورية الصحراوية. ألا تفكر في التقاعد وإعطاء المجال لقيادة جديدة؟
ــ أنا مجرد صحراوي سخّرت نفسي وحياتي لقضية شعبي، أمثّل جيلاً من الأجيال الصحراوية المتعاقبة على هذه القضية، وسأواصل كفاحي من أجل تمكينه من ممارسة حقه في تقرير المصير والاستقلال.

¶ ما هي حقيقة الدعم العسكري والاستخباري الذي تتلقونه من الجزائر؟
ــ هذا السؤال يحيلني مرة أخرى على الحديث عن الموقف الجزائري. إن هذا الموقف معروف ومعلن كما قلت لك منذ ستينيات القرن الماضي: دعم قضايا تصفية الاستعمار وتأييدها وتقرير المصير في العالم. فإذا كانت الجزائر قد دعمت وأيدت قضية تيمور الشرقية في أقصى الشرق الآسيوي، فكيف تتوقع أن تتعامل مع قضية مماثلة لها، مع فارق بسيط هو كونها واقعة على حدودها مباشرةً؟
هناك وسائل إعلام لا تتنبّه، أو هي لا تريد، إلى الفرق بين الدعم الذي يتلقاه الصحراويون من الجزائر، كأصحاب حق مظلومين يخوضون كفاحاً تحريرياً شرّعته الأمم المتحدة وطالبت العالم بتأييده عام 1972، من أجل الحق المكفول دولياً في تقرير المصير والاستقلال، كما تنص على ذلك قرارات الشرعية الدولية، والدعم الذي تغدقه فرنسا، مثلاً، على الحكومة المغربية وترفض الانصياع للشرعية الدولية وتطبيق قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.


الصحراء الغربية: عرب ولكن

في الوقت الذي تسعى فيه بعض الدول العربية إلى إقناع تشاد أو إريتريا، غير العربيتين، بالانضمام إلى الجامعة العربية، تبقى «الصحراء الغربية» خارج الحسابات العربية، سواء لجهة الاعتراف بها دولة مستقلة أو محاولة الدخول في وساطة لإعادتها إلى الحضن المغربي.
و«الصحراء الغربية» أسقطها العرب من خرائطهم سنين طويلة وتعاملوا مع شعبها على أنه من المنبوذين. فلا ذكر لهذه المنطقة في خريطة رسمية للوطن العربي.
وتقع الصحراء الغربية في الشمال الغربي الأفريقي، وتتكون من الإقليمين، اللذين تأخذ منهما اسمها الآخر وهما الساقية الحمراء في الشمال، ووادي الذهب في الجنوب. مساحتها تقدّر بـ 284 ألف كيلومتر مربع، وتطلّ على المحيط الأطلسي بساحل يقدّر طوله بنحو 1200 كيلومتر.
تحدّها المملكة المغربية من الشمال، والجزائر من الشرق وموريتانيا من الجنوب الشرقي والجنوب وجزر الكناري الإسبانية من الغرب. ومن أهم ثرواتها الفوسفات، وهو جيّد من حيث النوع والكم، بالإضافة إلى حوض سمكي كبير يعتدّ من أهم الأحواض في العالم، ناهيك بالعديد من المعادن، والاحتمالات شبه المؤكدة لوجود النفط والغاز الطبيعي.
وينحدر سكان الصحراء الغربية من أصول عربية قدمت إلى المغرب العربي من خلال هجرات متعاقبة، وأصول بربرية وزنجية من السكان الأصليين، حيث اندمجوا جميعاً في مجتمع بدوي يشترك مع الشعوب العربية الأخرى في الكثير من العادات والتقاليد.
قضية الصحراء الغربية ليست جديدة، وهي مسجلة لدى الأمم المتحدة منذ عام 1966 باعتبارها قضية تصفية استعمار. وأعلنت الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (جبهة البوليساريو) في العاشر من أيار 1973 تجسيداً لإرادة الشعب الصحراوي في الكفاح من أجل طرد الاستعمار الإسباني ومن بعده المغربي.



تدرج محمد عبد العزيز في سلم جبهة البوليساريو فكان أحد المؤسسين ليصبح الأمين العام للجبهة فرئيس الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية. ولد في مدينة السمارة في إقليم الساقية الحمراء بالصحراء عام 1948. ظل قائداً عسكرياً في الجبهة حتى انتخابه أميناً عاماً لها ورئيساً لمجلس قيادة الثورة في 9 حزيران 1976.