strong>تخبَّط العراق في المبادرات الآتية من كل حدب وصوب. وبقيت دماؤه تنزف وشعبه «ينضب». وقد يقال إن المبادرات كانت غربية وغريبة، ولا تفيد. والآن المبادرة تأتي من «منظمة المؤتمر الإسلامي» لحقن دماء العراقيين. فهل يجد العراق ضالّته في أمّته، التي للأسف، لا تقلّ عنه تخبطاً؟!
تحطّ المساعي العراقية لحقن الدماء، في مكة المكرمة اليوم، التي تتجه إليها آمال الشعب العراقي، بانتظار «وثيقة مكة» المزمع إعلانها في المؤتمر الذي يعقد في «قبلة المسلمين» برعاية «منظمة المؤتمر الإسلامي»، علَّها تخرج بتوصيات قابلة للتطبيق في ما يتعلق بالمصالحة بين الشيعة والسنة وبإيقاف الفتنة والاقتتال في العراق، في وقت بلغ العنف حد الذروة في البلاد، حيث قتل وأصيب العشرات أمس.
إلا أنه ليس من المتوقع أن ينتج مؤتمر مكة بين ممثلي التيارات الدينية في العراق، تغييراً جذرياً أو على الأقل تقدماً ملحوظاً، وخاصة مع إعلان مصدر في مكتب المرجع آية الله علي السيستاني في النجف أمس أن «السيستاني لن يرسل مبعوثاً يمثله إلى المؤتمر». وقال المصدر إن «السيستاني يدعم ويبارك» مؤتمر مكة وإنه «يرى أن الأشخاص المشاركين يكفون ويسدّون الحاجة».
كما أعلن مسؤول في مكتب الزعيم الشيعي مقتدى الصدر أن «الصدر لن يرسل مبعوثاً إلى مؤتمر مكة» من دون إعطاء مزيد من التفاصيل.
وتشدد المسودة المبدئية لـ«وثيقة مكة»، التي تهدف إلى إخماد الفتنة المذهبية في العراق، على «تحريم القتل والتهجير والتنابذ بالألقاب والاعتداء على دور عبادة المسلمين وغير المسلمين»، مؤكدة على ضرورة «ردم الهوة بين السنة والشيعة».
وتنبِّه مسودة الوثيقة، التي جاءت في عشر فقرات مدعمة بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، إلى «خطورة ارتكاب الجرائم باسم المذهبية الوطنية». وتؤكد «أهمية التمسك بالوحدة الوطنية الإسلامية والحفاظ عليها من الفتن ومن سعي الآخرين لشق الصف العراقي».
وترى المسودة أن «الجرائم المرتكبة باسم الهوية المذهبية من الفساد في الأرض الذي نهى الله تعالى عنه». وتنبذ «إطلاق الأوصاف المشينة على السنة والشيعة والاتهامات المتبادلة».
وتشدّد مسودة الوثيقة على ضرورة أن «يكون السنة والشيعة صفاً واحداً من أجل استقلال العراق ووحدته وأن يعملوا على إنهاء الاحتلال ببناء القدرات الاقتصادية والعسكرية والسياسية بهدف ضمان استقلال العراق».
وتدعو أيضاً، إلى «إطلاق سراح المختطفين الأبرياء وكذلك الرهائن المسلمين وغير المسلمين وإعادة المهجّرين إلى أماكنهم الأصلية». وتناشد الحكومة العراقية «ضرورة إطلاق سراح المعتقلين الأبرياء والمحاكمة العادلة العاجلة للمتورطين بجرائم، وتقديمهم للمحاكمة ومحاكمتهم وتنفيذ الحكم حتى يصبح الحكم رادعاً للآخرين».
وكان أربعة من ممثلي التيارات الدينية للمسلمين الشيعة والسنة في العراق، وهم الشيخ جلال الدين الصغير والشيخ الدكتور صلاح عبد الرزاق والشيخ الدكتور عبدالستار عبد الجبار عباس والشيخ الدكتور محمود الصميدعي، قد أنهوا أخيراً اجتماعات تحضيرية في جدة، تحت إشراف مجمع الفقه الإسلامي التابع لـ«منظمة المؤتمر الإسلامي».
وعشية انعقاد مؤتمر مكة، شهد العراق أمس يوماً دموياً، حيث قتل نحو 60 عراقياً وأصيب العشرات في هجمات متفرقة وقعت في بغداد والموصل وكركوك والخالص، فيما تم العثور على 33 جثة في أنحاء متفرقة من بغداد.
كما قتل أربعة مدنيين وثلاثة من عناصر «جيش المهدي»، الجناح العسكري لـ«التيار الصدري»، وأصيب 35 آخرون في اشتباكات اندلعت أمس مع الشرطة، في مدينة العمارة جنوب العراق.
وأعلن الجيش الأميركي أمس وفاة أحد جنوده متأثراً بجراح «أصيب بها في عملية قتالية في محافظة الأنبار» غربي العراق أول من أمس.
وذكر مدير مكتب الصدر في محافظة كربلاء أن القوات العراقية اعتقلت أمس القيادي في «جيش المهدي» الشيخ سعد حمود وثلاثة من إخوته.
وأفاد متحدث عسكري أمس أن القائد العسكري الأميركي في العراق الجنرال توم كيسي أمر بإعادة دراسة الحملة الأمنية التي تقودها الولايات المتحدة في بغداد، مشيراً إلى أن «حجم الخسائر الأميركية يشكل قلقاً بالغاً، ولكن هذا ليس هو سبب الدراسة».
على صعيد آخر، استأنفت المحكمة الجنائية العراقية أمس محاكمة الرئيس المخلوع صدام حسين وستة من إعوانه بتهمة ارتكاب «إبادة جماعية» بحق الأكراد خلال «حملة الأنفال» عام 1988.
واستمعت المحكمة إلى شهادات اثنين من القرويين الأكراد قالا إنهما شاهدا أشخاصاً مصابين بالأسلحة الكيميائية في قراهم، قبل أن يرجئ القاضي الجلسة إلى الثلاثين من الشهر الجاري.
في غضون ذلك، حذّر الخبير الأميركي في شؤون العراق لاري دياموند من أن العراق مقبل، بالفعل، خلال أسابيع قليلة، على حرب أهلية شاملة إذا لم تبادر الحكومة الأميركية إلى تغيير نهجها في هذا البلد لكي تمنع حدوث ذلك.
ودياموند هو أحد الخبراء الستين الذين يعملون مع اللجنة الدراسية حول العراق التي يرأسها وزير الخارجية الأميركي الأسبق جيمس بيكر والرئيس الديموقراطي الأسبق للجنة العلاقات الدولية في مجلس النواب الأميركي لي هاملتون، والتي ينتظر أن تنشر تقريرها وتوصياتها بالحلول المقترحة للوضع في العراق بعد انتخابات الكونغرس الشهر المقبل.
ونقلت صحيفة «سان فرنسيسكو كرونيكل» عن دياموند، الذي كان أيضاً مستشاراً سابقاً لسلطة الاحتلال المؤقتة في العراق، قوله إن «بوادر الحرب الأهلية بدأت، وليس لدينا من وسيلة لمعرفة ما إذا كان الوقت متأخراً حتى نقوم بتجربة مسار آخر مختلف جذرياً، لمنع تطورها إلى حرب أهلية شاملة».
وقال الخبير الأميركي إنه يعتقد أنه «قد تتم إطاحة الحكومة العراقية التي يرأسها نوري المالكي أو تنهار من تلقاء نفسها، وقد يتم تفكك الجيش العراقي لتبقى ميليشيات قوية، كردية وشيعية وسنية، فيما تنخرط الميليشيات الشيعية والسنية في قتال دموي من أجل السلطة».
وأوضح الخبير «ما يقلقني أكثر من أي شيء هو إذا ما تم تقسيم العراق عبر حرب أهلية وأصبحت الأنبار ذات الكثافة السنية في وضع مشابه لما كانت عليه أفغانستان قبل 11 أيلول 2001». وأضاف أن «لدى الولايات المتحدة في أحسن الأحوال شهرين لتنفيذ استراتيجية جديدة في العراق»، محذراً من أن وقوع حادث مشابه لتفجير قبة مرقدي الإمامين العسكريين في سامراء «قد يشعل موجة جديدة من الأعمال الانتقامية التي قد تخرج عن السيطرة ولا تمنح الولايات المتحدة ما يكفي من الوقت للعمل لاحتواء الوضع».
وفي السياق، حذر وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط أمس من «انزلاق العراق غلى حرب أهلية شاملة بين طوائفه المختلفة». وقال أبو الغيط، إن «مصر تتابع بانزعاج بالغ وقلق شديد ما يجري على الساحة العراقية من أعمال عنف وقتل تقوم بها أطراف عديدة عراقية وغير عراقية وما صاحب ذلك من تفاقم ظاهرة العنف الطائفي والقتل على الهوية»، معرباً عن الأمل في أن «يكون لقاء مكة خطوة على طريق عودة الهدوء والاستقرار إلى أرض العراق».
(الأخبار، ا ب، ا ف ب،
رويترز، يو بي آي، د ب ا)