سعت واشنطن إلى استنفاد بعض تكتيكاتها قبل أيام من الانتخابات النصفية، فحاولت لملمة فشلها المتزايد في العراق، عبر رميه على حكومة بغداد، إلا أن رئيس الوزراء نوري المالكي انتفض على هذا التوجه، ما دفع بوش إلى التراجع ولو علناً
حلّ عيد الفطر في العراق بعد شهر قاسٍ على العراقيين، كما على الجنود الأميركيين، ليحمل استحقاقات عديدة قد تكون تداعياتها كفيلة برسم مرحلة جديدة من السياسة الأميركية في البلاد، والأهم نوع مختلف من العلاقة بين واشنطن والحكومة العراقية، بعدما حاولت الإدارة الأميركية الضغط على رئيس الوزراء العراق نوري المالكي، عبر تحديد جدول زمني للإصلاح السياسي ونزع أسلحة الميليشيات.
لكن رد المالكي جاء رافضاً لـ«الجدول» الأميركي، معززاً موقفه بتصد، وإن معنوياً، للقصف الأميركي لمدينة الصدر في بغداد، فكان أن حاول الرئيس الأميركي جورج بوش، على ما يبدو، استدراك الموقف معلناً أمس عدم نية بلاده ممارسة ضغوط على الحكومة العراقية «تفوق طاقتها»، مشيراً إلى أن الماكي هو «الرجل المناسب لتحقيق الأهداف المنشودة في العراق».
وبعد المعلومات التي ذكرت الجمعة الماضي عن نية واشنطن تقديم برنامج زمني للحكومة العراقية لمعالجة أعمال العنف المذهبية والوضع الامني، أعلن السفير الأميركي لدى بغداد زلماي خليل زاد أول من أمس أن المالكي وافق على «جدول زمني» للإصلاح السياسي ونزع أسلحة الميليشيات.
إلا أن رئيس الوزراء العراقي ردَّ، في وقت لاحق أمس، بأن «الشعب العراقي هو وحده صاحب الحق في تحديد هذا الجدول الزمني، رافضاً فرض أي جدول على العراقيين.
وقال المالكي، في مؤتمر صحافي في بغداد، إن «الجميع يعلمون أن هذه الحكومة هي حكومة إرادة شعبية وليس لأحد الحق في أن يضع لها جدولاً زمنياً»، مضيفاً: «أنا واثق بأن هذا المنطق ليس هو المنطق الرسمي للحكومة الأميركية». إلا أنه وعد بمواجهة الميليشيات المسلحة. وقال: «سنضرب بقوة وسنحاسب كل من يتجاوز القانون وهيبة الدولة».
وتزامن هذا التوتر السياسي بين المالكي وواشنطن مع اشتداد الحملة على «جيش المهدي» التابع للزعيم الشيعي مقتدى الصدر، الذي هاجمته أمس القوات الأميركية تدعمها المروحيات في معقله في مدينة الصدر شرقي بغداد، حيث دار اشتباك بين الطرفين استمر أكثر من ساعتين. وذكر شهود أن أربعة مدنيين قتلوا وأصيب 18 آخرون.
وأفاد الجيش الأميركي بأن القوات العراقية والأميركية «تعرضت لإطلاق النار وأجبرت على استدعاء القوات الجوية لحمايتها»، فنفذت، «بدعم من مستشاري قوات التحالف، عملية دهم بتخويل من الحكومة العراقية، لاعتقال قائد كبير لإحدى الجماعات المسلحة».
ونفى المالكي، من جهته، أن تكون العملية العسكرية قد تمت «بتصريح من الحكومة». وقال: «سنطلب توضيحاً للذي حصل، وهذه مسألة سنراجعها مع القوات المتعددة الجنسية حتى لا تتكرر». وأكد ضرورة أن «يكون هناك تفاهم وتنسيق في أي عملية عسكرية، ينبغي أن تكون الحكومة تعلم بها وطرفاً فيها».
في غضون ذلك، رفض بوش أمس الدعوات لتكثيف الضغوط الأميركية على الحكومة العراقية حتى تضطلع بمزيد من المسؤولية عن الأمن في البلاد.
وقال الرئيس الأميركي، في مؤتمر صحافي في البيت الأبيض، قبل أقل من أسبوعين من الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي: «نحن نمارس ضغوطاً على الزعماء العراقيين ليتخذوا إجراءات تتسم بالجرأة لإنقاذ بلدهم»، مضيفاً: «ونحن نقول لهم بوضوح إن صبر الولايات المتحدة ليس بلا حدود». إلا أنه قال: «غير أننا نتفهم أيضاً التحديات الصعبة التي يواجهها القادة العراقيون، ولن نمارس ضغوطاً على الحكومة العراقية تفوق طاقتها». وجدد دعمه للمالكي، مؤكداً أنه «الرجل المناسب لتحقيق الأهداف في العراق».
وعبّر بوش عن «قلق شديد» إزاء الوضع في العراق وطلب من الحكومة العراقية اتخاذ «إجراءات جريئة»، موضحاً أن «أحداث الشهر الماضي تقلقني كثيراً وتقلق كذلك قسماً كبيراً من الشعب الأميركي».
وتحت الضغط المتزايد لتغيير استراتيجيته في العراق، وعد بوش بتفسير «كيف نكيف تكتيكنا لمساعدة الحكومة العراقية على السيطرة على الوضع الأمني». وأوضح أن «أهدافنا تظل هي ذاتها. ونحن نتحلى بالمرونة في شأن وسائلنا في تحقيق هذه الأهداف»، مضيفاً: «على غرار قيام العدو بتغيير تكتيكاته، فإننا أيضاً نغير تكتيكاتنا»، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة «كسبت وستكسب» في العراق.
وأعلن الرئيس الأميركي أنه سيوافق على رفع عديد قوة بلاده في العراق «إذا طلب القادة الميدانيون ذلك».
ميدانياً، قتل ثمانية عراقيين أمس، في هجمات متفرقة في بعقوبة وتلعفر واليوسفية وبلدة حصيبة على الحدود مع سوريا، فيما عثر على أربع جثث مقيدة ومكممة في بلدة المحمودية.
وأعلن الجيش الأميركي أمس مقتل أربعة من جنوده في العراق، علماً بأنه كان قد أعلن الاثنين عن مقتل ستة السبت الماضي، ليرتفع إلى 93 عدد الجنود الأميركيين الذين قتلوا في العراق منذ بداية الشهر الجاري. كما أفاد بأن جندياً أميركياً من أصل عراقي تعرض للخطف مساء الاثنين في بغداد، بينما كان يزور أحد أقاربه.
من ناحية أخرى، رأى السفير الأميركي في بغداد، في مؤتمر صحافي أول من أمس، أن «النجاح ممكن» في العراق. ودان خليل زاد «دعم» إيران وسوريا للمجموعات الضالعة في العنف الطائفي داخل العراق، مشيراً إلى أن «أعداء العراق ــ القاعدة وإيران وسوريا ومؤيديهم في المنطقة ــ يجهدون لتفكيك الشعب العراقي على خلفية طائفية».
وأعلن قائد القوات الأميركية في العراق الجنرال جورج كايسي، أول من أمس، أن القوات المسلحة العراقية يفترض أن تكون قادرة على ضمان الأمن في البلاد، في مهلة تتراوح بين 12 و18 شهراً، مع استمرار تقديم الدعم الأميركي إليها. وأفاد بأن 300 «شهيد» سقطوا في صفوف القوات العراقية المسلحة في مواجهات مع متمردين خلال شهر رمضان الذي انتهى هذا الأسبوع.
إلى ذلك، قال مسؤول عسكري أميركي أول من أمس إن الجيش البريطاني يأمل سحب قواته من العراق خلال نحو عام، وإن الحكومة البريطانية تريد تركيز قواتها على الحرب في أفغانستان.
وذكر المسؤول الأميركي، الذي طلب ألا ينشر اسمه، أن مسؤولين بريطانيين أبلغوا نظراءهم الأميركيين بأن الجيش البريطاني «يقترب من نقطة الانهيار» بسبب الانتشار لفترات طويلة في العراق.
(أ ف ب، رويترز، يو بي آي،
أ ب، د ب أ، الأخبار)