بول الأشقر
جدَّد المدعي العام الأرجنتيني ألبرتو نيسمان، خلال مؤتمر صحافي مساء أول من أمس، اتهامه إيران بالتخطيط للتفجير الذي حصل في الثامن عشر من تموز عام 1994 في بوينس آيرس، والذي نتج منه تدمير مقر «الأميا»، المنظمة التعاونية ليهود الأرجنتين، ومقتل 87 أرجنتينياً وفقدان 12 وإصابة المئات.
ويرى تقرير الادعاء أن قرار العملية هو قرار رسمي إيراني اتُخذ في اجتماع عقد في مدينة مشهد بحضور المتهمين عام 1993، للانتقام من قرار الحكومة الأرجنتينية الأحادي بفسخ اتفاق نقل التكنولوجيا النووية لإيران، ويتهم حزب الله بالتنفيذ.
وطلب المدعي نيسمان من القاضي المسؤول عن القضية رافائيل كورال بإصدار مذكرات توقيف بحق سبعة أشخاص، منهم ستة مسؤولين إيرانيين سابقين في هذه الفترة، ومن بينهم الرئيس الإيراني هاشمي رفسنجاني ووزير خارجيته علي أكبر ولايتي، ووزير الإعلام والأمن علي فلاحيان وقائد حرس الثورة محسن رضائي والملحق الثقافي الإيراني في بوينس آيرس آنذاك محسن رباني، إضافة إلى اللبناني عماد مغنية الذي يعرف عنه الادعاء بصفته مسؤولاً سابقاً للعلاقات الدولية في حزب الله.
وعلى القاضي كورال أن ينكب الآن، من دون مهلة زمنية محددة، على درس توصيات المدعي نيسمان المرفوعة إليه ليقرر اعتمادها أو تجاهلها. وترجح الصحف الأرجنتينية الصادرة امس أنه سيتم اعتمادها، وهو ما قد يؤدي إلى نشوب أزمة ديبلوماسية حادة بين الأرجنتين وإيران.
وسبق أن أعرب المدعي العام في شهر تشرين الثاني الماضي عن قناعته بأن منفذ العملية الانتحارية التي جرت بواسطة سيّارة مفخخة بـ300 كيلوغرام من المتفجرات هو اللبناني إبراهيم حسين برّو، بعد الاجتماع بشقيقه في الولايات المتحدة، الذي يقول حزب الله إنه استشهد في القتال في جنوب لبنان.
جديد الادعاء، الذي تقدم به نيسمان أمس، أنه يتضمن تحليلاً للاتصالات الهاتفية التي قام بها الملحق الثقافي الإيراني، ومنها اتصال إلى منطقة الانفجار بساعات قليلة قبل وقوعه، وأخرى إلى فوز دي إيغواسو، وهي مدينة على الحدود المثلثة بين الأرجنتين والبرازيل والباراغواي، وقد شكلت القاعدة الخلفية للهجوم حسب المدعي نيسمان، إضافة إلى تحليل حركة حساب مصرفي فتحه الملحق الثقافي رباني بعد عودته من طهران عام 1993.
وينص تقرير الادعاء، المؤلف من 800 صفحة، على أن مجموعة دعم يتزعمها عماد مغنية دخلت الأرجنتين برّاً قبل حصول الانفجار بعشرين يوماً وانسحبت منها جوّاً على دفعات في الأيام التي سبقته.
وسبق أن مرّ التحقيق في هذه القضية في الأرجنتين بمراحل مدّ وجزر عديدة اختلطت فيها الاتهامات المتبادلة بين قضاة وعناصر أمن وسياسيين في فترة الرئيس السابق كارلوس منعم.
وأدت الاتهامات عام 2003 إلى أزمة ديبلوماسية بين إيران والأرجنتين بعدما طلبت هذه الأخيرة من البوليس الإنكليزي اعتقال سفير إيران السابق لدى الأرجنتين فترة الانفجار، وقد اعتقله ثم أُفرج عنه لضحالة الإثباتات المقدمة. كما أُفرج في الأرجنتين عام 2004 عن خمسة أشخاص بعد محاكمتهم لتقديمهم الدعم اللوجستي للانفجار، للأسباب نفسها.
وسُحب التحقيق في نهاية عام 2003 من المدعي خوان غاليون ــ المقرَّب من الرئيس السابق منعم، خصم الرئيس الحالي نستور كيرشنير ــ لارتكابه «أخطاء فادحة» حسب مجلس القضاء الأعلى، وهو ما جعل الإنتربول يوقف البحث عن متهمي لائحة غاليون. وهناك أربعة أسماء مشتركة بين لائحة نيسمان ولائحة غاليون.
وتُجمع كبرى الصحف الأرجنتينية على أن مشكلة التحقيق أنه ما زال يعتمد في متنه على تقارير من الاستخبارات الأرجنتينية والإسرائيلية والأميركية يُخشى أن تكون مزروعة لأسباب سياسية، وأنه يخلو حتى الآن من براهين دامغة أو حسيّة، فيما تشير إلى أن تعرّف الشاهدة الوحيدة على صورة برّو قبل سنة كان متردداً ولم يزل الشكوك.
ونوّهت الجالية اليهودية في الأرجنتين، التي تعد أكبر جالية يهودية في أميركا اللاتينية وتقدر بثلاثمئة ألف نسمة، بالتقدم الذي حصل في التحقيق «بعد طول انتظار»، وكذلك فعلت الولايات المتحدة.
غير أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية محمد علي حسيني رفض التقرير الأرجنتيني. وقال، في مؤتمر صحافي، إن «الجمهورية الإسلامية هي بنفسها وقعت ضحية للأعمال الإرهابية وقد تحملت تكاليف باهظة على الصعد الإنسانية والمادية والمعنوية في هذا السياق».
ورحب بيان لوزارة الخارجية الإسرائيلية بنتائج تحقيقات النيابة الأرجنتينية. وأضاف أن «إسرائيل ترتقب بموجب تقرير النيابة أن تتخذ السلطات الأرجنتينية الإجراءات الضرورية لمقاضاة المسؤولين».