محمد بدير
"لقد وصلنا إلى وضع جنوني فعلاً. حالة سيكولوجية لا يمكن تصورها: بدل أن ينتظر الجمهور الإسرائيلي متحدثه القومي ليوضح له ما يحدث يومياً، فيقلص من حجم الفوضى ويبعث على الأمانة والصدقية، حصل شيء لا سابق له: لقد أعطى الجمهور هذا الموقع إلى قائد العدو الذي كنا نقاتله، وجلس ينتظر بفارغ الصبر خطاباته. الأمر لم يكن عبثاً. إذ إن متابعة التقارير توضح أن نصر الله ناقض تقارير المتحدثين الإسرائيليين، بما فيها تلك الخاصة بوزير الدفاع. لقد كان أول من يعلن موت جنود إسرائيليين ويوضح الظروف البائسة التي أدت إلى ذلك".
بهذه العبارات لخص الدكتور في جامعة بن غوريون أودي ليفل، المحاضر في علم النفس السياسي والعلاقة بين الجيش والإعلام، نتائج الدارسة التي أعدّها حول "إدارة الدعاية الإعلامية الإسرائيلية في حرب لبنان الثانية".
وقد أظهرت الدراسة التي تناولت جوانب مختلفة من الأداء الإعلامي الإسرائيلي، أن القصور والخلل والإخفاق لم تكن مقتصرة خلال العدوان على الإدارة السياسية والعسكرية للمعارك، بل امتدت ليشمل ساحة الحرب الإعلامية والنفسية التي واكبت العدوان، بأبعادها الثلاثة: الداخلي الإسرائيلي، واللبناني، والعالمي.
في إطار الدراسة، طُلب إلى ست مجموعات نموذجية مشاهدة أشرطة مصورة عرضت الدعاية الإعلامية الإسرائيلية داخل إسرائيل وخارجها، والإجابة عن استمارة أسئلة تتعلق بمضمونها. وهكذا أظهرت نتائج الاستطلاع بعد معالجتها أن الأداء الإعلامي الإسرائيلي خلال الحرب كان مختلاً جداً"إلى درجة أن الجمهور اضطر في الكثير من الحالات إلى الاعتماد على تقارير الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله".
ويوضح ليفل، المشهور بتخصصه بهذا النوع من الدراسات، أنه "في مقابل زعيم إعلامي مثل حسن نصر الله، كان على المؤسسة الإسرائيلية أن تقدم ردوداً على المستوى نفسه على الأقل". يضيف إن "الزعيم الإعلامي الجيد يقدم إلى المشاهد ثلاث نقاط جذب: تلبية مستوى التوقعات، والصدقية واليقين. وفي إطار البحث، سئل المشاركون من الذي يمنحهم اليقين بالنسبة إلى استمرار القتال وإلى من ينسبون غالبية معايير الصدقية. المعطيات كانت حادة لا لبس فيها: لقد حدد الجمهور الإسرائيلي خطابات نصر الله على أنها تشتمل على العنصرين". وإذا لم يكن ذلك كافياً، فقد سئل المشاركون في البحث عن مصداقية السيد نصر الله، مقارنة بمصداقية الناطقين الرسميين الإسرائيليين، فكانت النتيجة أن "أحداً من الناطقين باللغة العبرية، لم يحصل على علامات مرتفعة في المصداقية كالتي حصل عليها نصر الله".
وللإيضاح، يورد ليفل أن "هذه ليست المرة الأولى التي تكتشف فيها أم ثكلى الحقيقة حول ظروف مقتل ولدها في أشرطة يبثها حزب الله، حيث تبدو الصورة مختلفة كلياً عن تلك الصورة التي يقدمها الجيش والمتحدثون باسمه".
وتناولت الدراسة إشكاليات أخرى تتعلق بطبيعة الخطاب الإعلامي الموجه إلى الجمهور الإسرائيلي. على سبيل المثال، حقيقة أن الجمهور الإسرائيلي لم يسمع من قادته على مدى الأسبوعين الأولين من الحرب عبارة حرب. "الإصرار على تعريف الوضع كعملية عسكرية وليس كحرب، أعطى وهماً أن الأمر يتعلق بقتال مؤقت ومحدود ومخطط وتحت السيطرة، مع طاقة تحمّل مقلصة للخسائر ولوقت الجلوس في الملاجئ. لم يكن هناك زعيم ينهض ليقوم ويوضح للجمهور أنه يواجه حرباً، الأمر الذي كان سيغير كلياً التوقعات".
أما في ما يتعلق بالجبهة الإعلامية مع لبنان، فقد كان يجب، بحسب ليفل، انتهاج خط إعلامي أكثر شمولية: "ففيما نصر الله هو دكتور في علم النفس للمجتمع الإسرائيلي، اعتقدت إسرائيل بأنها إذا رمت على نحو مفاجئ مناشير فوق جنوب لبنان، ستتمكن خلال يومين من إنجاز ما فعله حزب الله على مدى سنوات". ويوضح ليفل متهكماً "إذا كان علينا أن نستعد ليوم ستحصل فيه المواجهة المستقبلية، فالواجب يقضي أن نرمي جريدة أسبوعية باللغة العربية فوق الأراضي اللبنانية منذ الانسحاب. لا يمكن أن تمارس حرباً معنوية ضد نصر الله عبر بعض الرسوم الكاريكاتورية المضحكة التي تسقط من السماء".
وعلى الجبهة الدولية، خلصت الدراسة إلى انتقاد الفكرة القائلة إن وظيفة الإعلام الإسرائيلي هي تقديم ضحاياه أمام الإعلام العالمي. "فللأسف، لا أحد في العالم يتأثر ببيت مدمر في حيفا. فمثل هذا المشهد موجود أيضاً في كوسوفو والشيشان. لو كانت هناك جهة تدرس بشكل منهجي المخاوف الأوروبية، والمصالح الأميركية، والهواجس الغربية تجاه نمط الحياة الليبيرالي، لكانت أدركت أنه في مواجهة كهذه، لا طائل في السعي إلى تحويل العالم إلى مؤيد لليهود، إنما كان ينبغي التوضيح أن الحرب الإسرائيلية هي جزء من الحرب الغربية ضد الأصولية الإسلامية".
في الخلاصة، يؤكد مُعدّ الدراسة أن المعطيات تعكس أزمة زعامة قاسية، إذ "ليس مُهماّ إن كانت هذه الزعامة بذلت أقصى جهدها من الناحية الموضوعية؛ فالجمهور الآن يراها معزولة ومتغطرسة وذات أداء غير رسمي. الجمهور لن يمضي خلف قيادة كهذه في المواجهة المقبلة".