القدس المحتلة ــ سعيد الغزالي
لم يتوقف الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن محاولاته الدؤوبة في إخضاع حركة «حماس» وحكومتها المنتخبة لمقصلة «الشرعية الدولية»، منذ أن شكلت الحركة الحكومة في شهر آذار الماضي.
المحاولة الأولى أفشلتها «حماس»، غير أن عباس أو مستشاريه، تمكنوا من الإمساك بالسلاح الناجع؛ الإضراب المفتوح الذي أعلنه موظفو الحكومة ضد الحكومة.
سلاح ناجع لعدالته وإنسانيته. لكنه يشبه دس السم في الدسم. وإن خضعت حماس لطعنات سيف عباس وجوع الناس، فستذهب ريحها السياسية وبرنامجها الإصلاحي، ويصبح حكمها شبيهاً بالحكم الصنمي، مثل الحكومات التسع الماضية. وإن لم تخضع، من دون أن تقدم بديلاً للجماهير الجائعة، فسيحمّلها الشعب الوزر.
في ظروف كهذه، لا بد للمرء من أن يحلم بالحصول على مصباح سحري للخروج من هذه الورطة، الناتجة من المناكفات بين حركتي «حماس» و«فتح»، وغياب التفاهم الاستراتيجي بين الفلسطينيين.
كانت وثيقة «التفاهم الوطني» المدخل الذي استخدمه عباس لجر «حماس» إلى «بوابة الشرعية الدولية» وقبول بنودها الثلاثة: اعتراف بإسرائيل، ونبذ العنف، واعتراف بالاتفاقات الموقعة بين السلطة وإسرائيل. حاربت «حماس» في حقل الألغام، واستطاعت إدخال تعديلات جعلت الوثيقة بغموضها، وعباراتها المتناقضة، لا تعني القبول بالشروط الدولية.
عندما لم تقبل الشرعية الدولية، بقيادة إسرائيل والولايات المتحدة وبقية القطيع الأوروبي، اختراع «اللعم» (المزج بين لا ونعم) الفلسطيني. أطاح عباس الوثيقة التي لم تعد صالحة.
فجأة، بدأ الحديث عن الإضراب المفتوح كخطوة كبيرة تتدرج نحو العصيان المدني. وبدأ عباس حواراته غير المكشوفة مع رئيس وزرائه إسماعيل هنية، شاهراً بوجهه سيف الإضراب.
يقترح عباس تشكيل حكومة جديدة ترأسها شخصية وطنية. ويعتقد أن حكومة ترأسها شخصية مستقلة، ليست عضواً في «حماس»، أو «فتح» أو غيرهما، ستتمكن من أن تُخرج السلطة من المأزق المالي والسياسي الذي تخضع له منذ آذار الماضي.
ويريد عباس أن تكون حكومة مشاركة بين القوى والفصائل، لا حكومة محاصصة تنفرد «حماس» بحصة الأغلبية، وفق عدد مقاعدها في المجلس التشريعي.
بعبارة أخرى، يريد عباس الحصول على موافقة هنية على تأليف حكومة تبدأ بتفكيك الجناح العسكري لـ«حماس»، إحدى «ميليشيات الإرهاب» وفق المفاهيم الأميركية ــ الإسرائيلية، ويريدها حكومة تحمل برنامج البنود الثلاثة: نبذ الإرهاب، والاعتراف بإسرائيل وكل الاتفاقات المجمدة التي لا تصلح بنودها الصفراء إلا لأن تكون ملصقات للذكرى على الجدار العنصري.
سيكون بإمكان هنية، بعد أن يوافق على «حكومة الإنقاذ» أو «حكومة الوحدة الوطنية»، أن ينظف شوارع غزة كما يحلو له، بمكنسة يدوية من صنع محلي، أو مكنسة كهربائية مستوردة من الصين.
فإن لم يوافق هنية على أن يكون «عامل نظافة» في خدمة «علية القوم»، إسرائيليين وأميركيين وأوروبيين وعرباً وفلسطينيين، فسينقض عليه الجائعون الذين بدأوا إضراباً مفتوحاً ضد الحكومة، ويطالبون عباس بإقالته وإقالة حكومته، وتشكيل حكومة طوارئ تملأ البطون الخاوية ببعض ما تيسر من طعام، ولكنها حكومة تعيد الأمجاد الضائعة لفرسان الـ «VIP»، أبناء الصفوة، بعض منتجات أوسلو، وتفرعاته من الاتفاقات.
أليس هذا ما يعنيه عباس عندما قال، أمام مسيرة احتجاج للموظفين: «كان لدينا عملية ديموقراطية، ونحن ملتزمون بنتائج الديموقراطية، لكن لقمة العيش أهم من نتائج الديموقراطية»؟ أو عندما يضيف: «إذا كنا نريد حكومة فعلينا أن نفكر بحكومة قادرة على جلب الرواتب والمساعدات».