بول الأشقر
شهران مرا على إجراء الانتخابات، لا تزال المكسيك غارقة في أزمة سياسية حادة يرجح أن تسوء بعد قرار المحكمة الانتخابية المرجح صدوره اليوم الثلاثاء.
تدلّ كل المعطيات المتوافرة على أن القرار سيكرس فوز المرشح اليميني فيليبي كالديرون، الذي ينتمي إلى حزب الرئيس المنتهية ولايته فيسنتي فوكس، فيما سيجمع المؤتمر الوطني أنصار المرشح اليساري لوبيز أوبرادور في السادس عشر من شهر أيلول الجاري، ليقرر، على الأرجح، عدم الاعتراف بالرئيس الجديد، وهو ما سيضع المكسيك، الجارة الأولى للولايات المتحدة، على حافة الحرب الأهلية.
وقال لوبيز أوبرادور، الرئيس السابق لبلدية نيو مكسيكو، أمام حشد ضم آلاف الأنصار في الميدان الرئيسي في العاصمة المكسيكية: “لن نقبل أبداً اغتصاب السلطة، ولن نعترف برئيس منتخب غير شرعي. سنقوم بتغيير عميق وتغيير جذري لأن هذا هو ما تحتاجه المكسيك. إنه تحول جذري. سنقوم ببناء مجتمع عادل ومشرف”.
وقال اوبرادور إنه وأنصاره سيضعون خطة لإقامة دولة جديدة خلال اجتماع في ميدان زوكالو في 16 أيلول الذي يوافق عيد استقلال المكسيك.
قد يكون مفيداً إعادة التذكير بالأسباب التي أوصلت الوضع في المكسيك إلى هذا المستوى من الانقسام، الذي حجب عن الإعلام بسبب العدوان الإسرائيلي على لبنان، والذي تزامن مع الانتخابات الرئاسية في ثاني أكبر دولة في أميركا الشمالية:
قبل الانتخابات، وبسبب ترجيح فوز اليساري لوبيز أوبرادور، حاكم ولاية العاصمة، حاولت الحكومة بشتى الوسائل أن تمنعه من الترشح. وعندما فشلت محاولاتها القضائية نتيجة الاعتراض الشعبي العارم، ركّزت كل جهودها خلال الحملة الانتخابية على تخويف الناخبين، مصورة أوبرادور بأنه «دمية يحركها (الرئيس الفنزويلي هوغو) تشافيز وقد يؤدي انتخابه إلى إقفال الحدود مع الولايات المتحدة».
وأتت نتائج الانتخابات لتكرس هذا الانقسام وتعطيه بعداً جغرافياً طبقياً، إذ فاز المرشح اليميني في كل الولايات الشمالية الصناعية والقريبة من الولايات المتحدة والمستفيدة من اتفاقية التجارة معها، فيما فاز المرشح اليساري في العاصمة وفي كل الولايات الجنوبية المتضررة من الاتفاقية نفسها.
وأدت النتائج الرسمية إلى تقدم كالديرون بنحو مئتي ألف صوت من أصل أكثر من أربعين مليون ناخب (أي بنصف نقطة في المئة) على أوبرادور، الذي اعترض على النتيجة الرسمية وطعن أمام المحكمة الانتخابية، مطالباً بإعادة جمع الأصوات للكشف عن «عملية سرقة الانتصاروللدفاع عن هذا الانتصار المفترض، نظم أنصار الحركة اليسارية اعتصاماً مفتوحاً منذ نهاية تموز في أكبر ساحة في العاصمة يشارك فيه عشرات الآلاف من المواطنين والمحازبين وعلى رأسهم أوبرادور.
ما حصل نهار الجمعة الماضي في شوارع العاصمة مكسيكو سيتي يعطي صورة عن درجة التوتر التي وصلت إليها الأمور. فقد احتل الجيش كل الشوارع التي تحيط بساحة الاعتصام لمنع وصول التظاهرات المتوجهة نحو ساحة مجلس النواب، حيث كان على الرئيس فنسانت فوكس أن يتلو تقريره السنوي الأخير.
وفيما قرر المعتصمون إلغاء التظاهر «تحاشياً للصدامات مع القوى المسلحة»، احتل النواب والشيوخ اليساريون المنصة مطالبين بانسحاب الجيش من حول مبنى المجلس. ووصل الرئيس إلى المجلس، حيث بقي سبعة دقائق، قبل أن يسلّم تقريره إلى رئيسه وينسحب، ليتلوه في ما بعد على محطات التلفزة والإذاعة.
بعد قرار المحكمة الانتخابية غير القابل للطعن، لن يبقى أي مرجع مؤسساتي للحسم بين الوجهتين اللتين صارتا تتجاذبان المشهد السياسي، بعدما كانتا قوتي المعارضة أيام حكم «الحزب الثوري المؤسساتي» (PRI)، الذي استمر ثمانين عاماً من دون انقطاع قبل فوز الرئيس فوكس العام ألفين.
حزب العمل الوطني اليميني (PAN)، الذي يتزعمه فوكس وكالديرون، يرى في أوبرادور «مغامراً لا يعترف بنتائج الانتخابات ويريد أن يصل إلى السلطة بأي ثمن»، فيما يرى حزب الثورة الديموقراطية (PRD)، الذي يقوده أوبرادور، أن فوكس الذي «وصل إلى الحكم بالانتخابات الديموقراطية زور الانتخابات لمنع حصول التغيير».