باريس - بسّام الطيارة
بدأت الحميّة تدب في الوسط السياسي الفرنسي قبل ثمانية أشهر من الانتخابات الرئاسية، وبدأت معها حرب البيانات والمواقف بين مختلف الطامحين للترشح، إذ إنه حتى الآن يوجد فقط «مرشحون للترشح» داخل الأحزاب الكبرى وضمن التجمعات السياسية الصغيرة ولا يوجد مرشح رسمي لأي من هذه التكتلات.
الأضواء مسلطة على سيغولين رويال يساراً وعلى نيكولا ساركوزي يميناً. صورهما وخطاباتهما وتصريحاتهما وتنقّلاتهما تغطي صفحات الجرائد والمجلات وتفتتح نشرات الأخبار، لكن حتى الآن لم يحسم أي منهما مشكلته مع حزبه أو مع منافسيه داخل تجمعه أو تكتله السياسيويحاول كل منهما الإيحاء بأن المعركة الداخلية محسومة لمصلحته، مستنداً إلى استطلاعات الرأي. ويسعى الاثنان إلى أن يكونا المتنافسين الأساسيين في المعركة الرئاسية المقبلة. ولكن كما يقول الخبراء، بعيداً عن الصخب الإعلامي وعمليات التسويق السياسي الأقرب للتسويق التجاري لمساحيق الغسيل «يبدو انهما لم يتعلّما دروس الانتخابات السابقة». ويضيف البعض «عليهما أن يعيدا قراءة قصة السلحفاة والأرنب»، إذ يجمع الخبراء على أنهما انطلقا باكراً جداً، وهذا ما يفسر الهدوء الذي يرافق الضجة التي تحيط بتحركهما.
ويمكن تفسير اندفاع ساركوزي بعاملين: الأول، يرى ساركوزي أنه توصل إلى وضع يده على كل مقاليد الحزب الحاكم «الاتحاد من أجل حركة شعبية» الذي أسسه الرئيس جاك شيراك، وأنه بعد تخلصه من غريمه الأول آلان جوبيه وتراجع شعبية غريمه الثاني رئيس الوزراء دومينيك دو فيلبان، بات المرشح اليميني الوحيد. أما العامل الثاني، فهو اعتباره أن رهانه على إمكان البقاء في حكومة تطبق سياسة معينة وفي الوقت نفسه انتقاد هذه السياسة كان رابحاً، ولا يتردد في الإشهار علناً عن رغبته بالـ «قطيعة» مع سياسة شيراك وحكومته التي يشغل فيها منصب نائب رئيس الحكومة.
في المقابل، تسعى رويال إلى فرض نفسها على «فيلة» الحزب الاشتراكي، وهو اللقب الذي يطلق على السياسيين من الوزن الثقيل في الحزب ومنهم لوران فابيوس وليونيل جوسبان، رئيسا الوزراء السابقان أو الوزيران المخضرمان جاك لانغ ودومينك شتروس خان.
وتعتمد رفيقة الأمين العام للحزب الاشتراكي والمرشح غير المعلن فرانسوا هولاند (يعيشان معاً ولهما أطفال من دون زواج) على «سحر الإعلام» وموجة التعاطف المتزايدة مع ارتفاع حظوظها في استطلاعات الرأي العام شبه اليومية، من دون أن تقدم أي برنامج واضح، إذ ترفض حتى الترشح رسمياً لمنافسة رفاقها في الحزب.
ويعلّق المراقبون على خطة رويال بأنها تريد، مثل ساركوزي، خنق آمال منافسيها في الحزب قبل بداية المعركة الداخلية لاختيار مرشح رسمي، مستخدمة الإعلام والظهور الشعبي وعدم الحديث عن الانتخابات الرئاسية. وفيما كان رفاقها ينتظرونها لمناقشة برنامجها نقطة نقطة خلال جامعة الحزب الصيفية، اكتفت بالحضور والاستماع إلى برامج الآخرين، مطبقة المثل الفرنسي «إذا لم تقل شيئاً، فلن تقول حماقات تحاسب عليهاورأى ساركوزي أنه يستطيع تسجيل موقف على «منافسته المفضلة» فأطلق قبل أيام أمام حشد من مؤازريه الشباب، برنامجه الشهير تحت عنوان «القطيعة» وتناول فيه مختلف مفاصل الحياة الفرنسية منتقداً كل ما «تمّ فعله منذ ثورة الشباب الثقافية في أيار عام ١٩٦9» واعداً بمسار جديد في مجال التربية والثقافة، وداعياً إلى «اختراع نموذج فرنسي جديد».
وساركوزي، الذي يدرك «نقاط ضعفه» المتمثلة بمعاركه الإيديولوجية مع المغتربين والمهاجرين، اختار مدينة مارسيليا، مدينة المهاجرين بالدرجة الأولى، لمحاولة الانفتاح على الشباب من أصول مهاجرة، فذكّرَ بثورة الضواحي معتبراً «أن جزءاً من شباب اليوم لا يجد وسيلة للتعبير إلا بالعنف أو الانطواء على الذات»، مُرجعاً ذلك إلى أخطاء السياسيين والسياسات السابقة التي لم «تؤمن الثقافة الكافية» للجميع.
لم يقترب المرشحان البارزان من السياسة الخارجية ما عدا مقابلة ساركوزي في صحيفة «الفيغارو»، التي اتهم فيها حزب الله بأنه «منظمة إرهابية» والتي كان الغريب فيها أن الصحف الفرنسية والعربية لم تتناولها كما كان متوقعاً لما فيها من تناقض مع موقف الحكومة الفرنسية، وكأنها هفوة أراد الجميع نسيانها.
وبقيت رويال أمينة لخطتها بعدم الدخول في تفاصيل برنامج معين حتى لا تستنفد رفاقها وتفتح معركة جانبية، فاكتفت امس بالردّ على برنامج منافسها المفضل أيضاً بالقول إنها «ليست مرشحة قطيعة بل مرشحة تواصل وانتقال». غير أنها أدركت أيضاً ضرورة البدء بتحرك مواز وخصوصاً أن ليونيل جوسبان أعلن أنه «مستعدّ لخوض معركة الرئاسة إذا طُلب منه ذلك»، فبدأت تقطر بعض الأفكار حول الشباب الذين توجه لهم ساركوزي.
لا يزال ساركوزي ورويال في بداية طريق مليئة بالحواجز والعقبات والفخاخ، وأبرزها تلك التي سينصبها أقرب المقربين اليهما. الاثنان يعدّان هذه المرحلة بداية حملة الانتخابات، متناسيين رفاقهما المتربصين ومواقف الأحزاب الحليفة وخصوصاً موقف شيراك الذي لم يعلن حتى اليوم عدوله عن الترشح. كما يتربص للجميع زعيم أقصى اليمين جان ماري لوبان الذي يتهم ساركوزي بـ«سرقة أفكاره اليمينية».
واستجمع لوبان قواه وتنازل عن بعض المواقف للتقرب من الأجنحة التي ابتعدت عنه في السنوات الماضية، ويسعى ليكون حاضراً في الجولة الثانية كما كان في الانتخابات الأخيرة عام ٢٠٠٢. كما يتناسى الجميع مواقف المواطنين التي لا تعبر عنها الاستطلاعات في غياب ترشيحات رسمية. فالانتخابات الرئاسية الفرنسية هي كما وصفها «أبو الجمهورية الخامسة» وواضع دستورها، الجنرال ديغول: «انتخابات بين رجل والشعب الفرنسي» بعيداً عن التسويق وعن مواقف الأحزاب الكبرى وبرامجها.