باريس ـــ بسّام الطيارة
في ظل بروز أنباء عن إزاحة فرنسا عن سوق الأسلحة السعودية، قامت وزيرة الدفاع الفرنسية ميشال أليو ـــ ماري بزيارة خاطفة الأحد الماضي إلى المملكة، حيث اجتمعت بالملك السعودي عبد الله وسلمته رسالة من الرئيس الفرنسي جاك شيراك حول الوضع في الشرق الأوسط، كما أجرت مباحثات مع ولي العهد ووزير الدفاع الأمير سلطان تتعلق بتسريع العمل بالاتفاقات الموقعة مبدئياً بين البلدين.
وتأتي زيارة أليو ـــ ماري في ظل تسريبات كثيرة عن إقصاء فرنسا عن سوق الأسلحة السعودية لصالح بريطانيا والولايات المتحدة، رغم تأكيدات الأوساط الرسمية المرافقة للوزيرة على «توافق الجهتين على تأليف لجان في كل مجال من المجالات التي فيها تعاون مشترك»، وهو ما يعدّ وصفاً ديبلوماسياً لعراقيل تواجه المتفاوضين.
وتقول مصادر مطلعة على دهاليز تجارة الأسلحة في باريس إن القلق الفرنسي في محله؛ فقد أعلنت الرياض منذ أسبوعين اختيارها شراء ٤٨ طائرة «أوروفيتر تايفون» البريطانية مع إمكان رفع الكمية إلى ٧٢ طائرة، عوضاً عن طائرات «رافال» الفرنسية. ومن المحتمل جداً أن تخسر فرنسا مشروعاً متعلقاً بنظام الأمن الداخلي للمملكة (ميسكا)، الذي أطلقت عليه الصحافة الفرنسية لقب «صفقة القرن». فقد أبلغت وزارة الدفاع الأميركية الكونغرس في ٢٢ تموز الماضي إمكان بيع أسلحة الى المملكة بمبلغ يصل إلى ستة مليارات دولار. وأوضح بيان أميركي أن «هدف هذه الصفقة هو مواصلة تحديث الحرس الوطني في السعودية».
والواقع أن باريس أدركت منذ أكثر من سنتين، وتحديداً منذ عام ٢٠٠٣، وجود عراقيل أمام تحقيق «صفقات كبرى» رغم العلاقات الجيدة بين البلدين ومواقف شيرك السابقة الموصوفة بأنها مقربة من العرب.
ويصنِّف أحد المتابعين لهذه الملفات العراقيل الى نوعين: الأولى ديبلوماسية سببها العلاقة الاستراتيجية التي تجمع مصالح السعودية بكل من الولايات المتحدة وبريطانيا، وخاصة منذ الحرب العراقية الأولى التي أوجدت قواعد عسكرية على أرض المملكة. أما النوع الثاني من العراقيل فيعود إلى «إحدى مميزات تصدير الأسلحة»، أي العمولات وتشابك المصالح المتعلقة بها، وخاصة في ما يتعلق بالسوق السعودية.
واستطاعت فرنسا حتى فترة ليست ببعيدة محاربة النفوذ الأنكلوساكسوني بتسهيل تداخل «أصحاب النفوذ» في نظام العمولات لفتح الأبواب أمام الصناعة الفرنسية. إلا أن شهية الوسطاء وتنافسهم وتناقض مصالح ممثليهم أدخلت هؤلاء في صراعات عنيفة وتصفية حسابات وصلت إلى حد الاشتباكات وتدخل الشرطة والقضاء.
وتقول مصادر إن باريس فقدت، منذ وصول الملك عبد الله إلى الحكم، الكثير من نفوذها لدى مراكز القرار السعودية في ما يخص الصفقات الكبرى، وخصوصاً العسكرية منها. ويذكر البعض أن الوسطاء لم ينبّهوا شيراك خلال زيارته الأخيرة إلى المملكة في آذار الماضي إلى أن غياب الأمير سلطان يقف حائلاً أمام توقيع عقد صفقة «ميسكا» المقدر ثمنها بسبعة مليارات يورو، أو أن بقاء الأمير في ماربيا (إسبانبا) وعدم قطع إجازته يعنيان عدم رغبة السعودية في التوقيع. واكتفى يومئذ الرئيس الفرنسي بالإشراف على توقيع بعض العقود الصغيرة بينها عقد تعاون تقني.
وقد وجهت دعوة «رسمية سريعة» للأمير سلطان لزيارة فرنسا في محاولة لتدارك الأمر ومعرفة مطالب مراكز القرار السعودية. ويقول البعض إن الأمير أبلغ شيراك رسمياً اختيار الولايات المتحدة لتجهيز نظام الأمن الداخلي للملكة.
وتقول مصادر مطلعة إن السعوديين أرسلوا رسائل لباريس مفادها أن «وسطاء الصناعات الفرنسية لا يعرفون الأبواب التي يجب طرقها للحصول على عقود صفقات».