باريس ــ بسّام الطيارة
تجد الديبلوماسية الفرنسية نفسها «محاصرة» في مسألة الحصار الإسرائيلي على لبنان، ولعل هذا ما يفسر مسارعة الرئيس الفرنسي جاك شيراك إلى القبول بطلب من الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، وبحسب بعض المصادر، بطلب الحكومة اللبنانية، أن تقوم البواخر الحربية الفرنسية الموجودة في شرق البحر المتوسط بحراسة الشواطئ اللبنانية بانتظار وصول البحرية الألمانية.
ويرى المراقبون ان إطالة الحصار الإسرائيلي، الذي أعلنت الحكومة الاسرائيلية أنها سترفعه مساء اليوم، بدأ «يلقي بثقل على الجهود الفرنسية الموجهة إلى العملية السياسية داخل الساحة اللبنانية». ويقول أحد الدبلوماسيين إن الحصار يضعف صدقية المجتمع الدولي من جهة ويعيد إلى الصورة مقولة «الكيل بمعيارين» ويضعف حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بشكل تراه باريس سلبياً جداً على مستقبل الحوار الوطني في لبنان.
ولا يتردد هذا الديبلوماسي في القول إن «إسرائيل باتت كأنها دولة لا تعرف مصلحتها على المدى الطويل». ويفسر تعنتها بـ«الارتباك الذي أصاب الجهاز الحاكم».
وتشير تسريبات من مصادر موثوقة الى أن الحصار «يؤخر المفاوضات البعيدة عن الأضواء القائمة للتوصل إلى هيكلية القرار السياسي الثاني» المنتظر صدوره عن مجلس الأمن الدولي كما يحتمه القرار ١٧٠١.
ويبدو ان باريس تتخوف من ان يكون إبقاء الحصار مطلباً أميركياً بهدف إعاقة المفاوضات الثنائية في شأن «البنود السياسية». ويقول أحد المراقبين ان فرنسا ترى في بسط الأمن وتنفيذ القرار ١٧٠١ من دون تأويلات مدخلاً هادئاً لتنفيذ القرارات الأخرى المتعلقة بلبنان ومنها القرار ١٥٥٩. ويضيف أن فرنسا ترى في «تصرف حزب الله حتى الآن كثيراً من الإيجابية» للوصول إلى هذا الهدف، بينما تعتقد، في المقابل، بأن واشنطن تريد «تسطير هذه الأهداف في قرار جديد يجمع كل ما لم ينفذ في القرارات السابقة مع بعض الزوائد».
وتريد باريس أن تسير مشاوراتها مع واشنطن بموازاة تثبيت الأمن في لبنان، بينما يعتبر البعض أن الولايات المتحدة تريد من المشاورات ان تسير بركب التأزم الذي يمكن أن يوصل إليه الحصار على الأرض. وتقول بعض المصادر ان عزوف الحكومة اللبنانية عن طلب اجتماع مجلس الأمن ضمن شكواها الأخيرة المتعلقة بالحصار كان بهدف منع صدور قرار قبل أوانه، وان هذا العزوف جاء بناءً على «نصيحة فرنسية» أكثر من الخوف من «فيتو» أميركي بات كلاسيكياً.
ويبدو أن الشكوك في النيات عادت لتلف المشاورات الأميركية ــ الفرنسية في ما يتعلق بالمسألة اللبنانية، ولا يتردد البعض من القول إن «الطلاق قريب» بين واشنطن وباريس. ويمكن وضع تصريحات الدبلوماسية الفرنسية في الأيام الأخيرة في هذا المسار الذي يمكن أن يذهب إلى أبعد من «التباين» الذي وُصفت به مواقف الدولتين خلال الحرب على لبنان. وقد تجلى ذلك في موقف باريس الذي بات يربط الأزمة اللبنانية بالنزاع العربي ــ الإسرائيلي وهو ما لا تحبذه واشنطن بتاتاً.
ولم يتردد وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست بلازي في «توسيع بيكار التباين والربط» عندما قال، في حديث لإذاعة «مونت كارلو» باللغة الفرنسية اول من امس، إن فرنسا «لا يمكن أن تقبل حرب حضارات» تضع «كتلة غربية في مواجهة كتلة شرقية».
وحذر دوست بلازي من أن «الخير والشر لا يمكن أن يحددهما الغربيون في دولة ما أو في قارة ما»، وهو ما رآه الكثيرون رداً على تصريحات الرئيس الأميركي جورج بوش الأخيرة عن «التطرف السني والتطرف الشيعي» ومقارنة إيران بتنظيم «القاعدة».