storng>بدت فرنسا أمس كأنها تعيش انتفاضة على السياسة التي رسمتها الولايات المتحدة للعالم. مسؤولوها سعوا إلى تأكيد حضورها على الساحة الدولية بصفتها قوة كبرى، وفي الوقت نفسه إلى إيقاظ المارد الأوروبي النائم، فقد حان وقت العمل واقتناص الدور باريس - بسّام الطيارة

استغل الرئيس الفرنسي جاك شيراك أمس زيارته إلى مركز «ترميز التجارب النووية» السري في ضواحي باريس لإطلاق جملة مواقف من الأوضاع العالمية، لإظهار «الموقع القوي» لفرنسا على الساحة الدولية، وهو ما قام به أيضاً رئيس الوزراء دومينيك دو فيلبان ووزير الخارجية فيليب دوست بلازي، خلال كلمتين منفصلتين أمام البرلمان، أظهرا خلالهما اضطلاعاً فرنسياً بأزمات الشرق الأوسط، بدءاً من فلسطين ولبنان ومروراً بسوريا وصولاً إلى إيران.
وقال شيراك، أمام العلماء النوويين: «في عالم يسيطر عليه المجهول، وفي وجه تهديدات متغيرة بشكل دائم، فإن قوة الردع النووية تؤمن مصالحنا الحيوية». وطالب من مركز الأبحاث «العمل على أقلمة قوة فرنسا الاستراتيجية وإبقائها قابلة للتكيف دائماً مع المستجدات».
وبعدما أكد حرصه الدائم على تأمين مصادر تمويل عمل الأبحاث النووية الفرنسية، ختم قائلاً: «إن مقام الدول ورتبتها غير ثابتة بتاتاً، ففي القرن الواحد والعشرين، ستبقى في المقدمة فقط الدول التي جعلت العلوم أولويتها الحقيقية».
قد تكون زيارة الرئيس الفرنسي إلى مركز الأبحاث النووية محض صدفة، غير أن المراقبين يرون في التوقيت رسالة حزم موجهة إلى إيران، وإن كان شيراك لم يكرر التهديداته السابقة بشأن شروط استعمال القوة النووية. وهي رسالة أيضاً إلى واشنطن التي ضاقت ذرعاً بدعوات أوروبا، وفي مقدمها باريس، إلى الحوار مع طهران؛ فشيراك يظهر لواشنطن من وراء هذه الدعوة أن فرنسا تدعو طهران إلى الحوار من موقف قوة كبرى.
في هذا الوقت كان رئيس الوزراء الفرنسي دومينيك دو فيلبان يشرح للبرلمان الفرنسي السياسة الفرنسية في الشرق الأوسط، فشدد على التزام باريس العمل لتفادي تحويل لبنان مرة أخرى إلى «ساحة لحروب الآخرين»، ووجه دعوة إلى إيران وسوريا، مؤكداً أنه ينبغي «من الآن فصاعداً وضع مختلف الفاعلين الإقليميين أمام مسؤولياتهم». وأضاف: «إن استقرار مجمل المنطقة على المحك»، ورأى في ذلك «خطراً حقيقياً لانتقال العدوى والتشدد».
وبشأن الملف النووي الإيراني، أعلن رئيس الوزراء الفرنسي أنه يعود «الآن لإيران أن تتحمل كل مسؤولياتها»، وذكّر بأن المجتمع الدولي لا يزال يفضل «طريق الحوار».
وبشأن سوريا، رأى دو فيلبان «أن من المهم أن تسهم في التطبيق الكامل والتام للقرارات الدولية 1559و1595 و1701».
ونأى دو فيلبان بفرنسا عن التوجه الأميركي في الحرب على الإرهاب. وقال إن «المطلوب في مواجهة الإرهاب ليس إعلان حرب»، بل «كما تفعل فرنسا منذ سنين، مقاومة بكل تصميم تقوم على اليقظة الدائمة والتعاون الفعال بين الشركاء». وأضاف: «لن نصل إلى القضاء على هذه الآفة إلا بمكافحة الظلم أيضاً».
أما دوست بلازي فشرح، من جهته، أمام البرلمان، سياسة فرنسا في لبنان وتطرق إلى مختلف النقاط الساخنة في منطقة الشرق الأوسط. وأكدت مداخلة وزير الخارجية ما بدأ يتسرب منذ أسابيع عن ربط فرنسي بين مختلف الأزمات في المنطقة، إذ بادر النواب قائلاً: إن «الشرق الأوسط يجبرنا اليوم على التحرك». وأكد أن هذه المنطقة تقع في «قلب قوس من الأزمات تمتد من الصومال إلى أفغانستان». وتابع إن فرنسا لا تستطيع أن تبقى مكتوفة الأيدي أمام ما يجري «في لبنان والأراضي الفلسطينية وفي دمشق وفي طهران وحتى في كربلاء». وأشار إلى أن «الصراع الإسرائيلي الفلسطيني موجود في قلب هذه القوس».
وإذ ربطت تصريحات المسؤولين الفرنسيين ليوم أمس بمواقفهم التي عبروا عنها الأسبوع الماضي، يرى البعض وجود سياق واحد تسعى باريس من خلاله إلى دفع أوروبا للاستفادة من زخم مشاركتها القوية في اليونيفيل، ومن «انكفاء العجرفة الإسرائيلية» بسبب عدم نجاحها العسكري، كما ذكر أحدهم، من أجل إعادة إحياء مفاوضات السلام بين العرب وإسرائيل وإخراجها من «أحادية القرار الممسكة به واشنطن».
ويبدو أن شيراك ينتظر «ممانعة من جورج بوش» للتوجه الديبلوماسي الفرنسي، الذي بدأ يقلق مراكز القرار في واشنطن، «من دون أن يقلق الديبلوماسية الأميركية،» كما يقول مقرب من أوساط وزارة الخارجية الفرنسية.