11 أيلول 2001... 11 أيلول 2006. خمس سنوات على الاعتداءات التي ضربت الولايات المتحدة في عقر دارها، وأطلقت الاستراتيجية الأميركية في «مكافحة الارهاب»، والقضاء على أسلحة الدمار الشامل، ونشر الديموقراطية في العالمين العربي والإسلامي، وكلها عبر «الحرب الوقائية» التي تُشرِّع القضاء على أي خطر لم يتجسد بعدً. خمس سنوات من «الجهد» الأميركي كانت كفيلة بزيادة العنصرية تجاه العرب والمسلمين في الولايات المتحدة، التي قررت، بين ليلة وضحاها، أن تبدل الأنظمة الاستبدادية بأنظمة ديموقراطية، قبل أن تعود وتغير رأيها. أما أفغانستان، التي تمّ غزوها للقضاء على نظام «طالبان»، فبدأت الآن تشهد عودة هذه الحركة على الساحة الأفغانية. والعراق، الذي تم غزوه واحتلاله على مرأى العالم، بعد خداع أميركي، يشهد اليوم حربا أهلية وبوادر تقسيم. وإسرائيل ربيبة الولايات المتحدة، نجحت، مستغلة تلك الهجمات، في إسقاط معادلة احتلال ومقاومة واستبدلتها بمعادلة «ديموقراطية» في مواجهة «عصابات الإرهاب». وتبقى قصص التعذيب في معتقل غوانتانامو والسجون السرية المنتشرة عبر العالم تنتظر تكشف المزيد
من التفاصيل عنها.

واشنطن ــ طارق منصور

عندما خرج صقيب علي من منزله في ولاية ميريلاند، فوجئ برجل يحمل لافتة كتب عليها «الاسلام مقرف».
لم تقع هذ الحادثة غداة هجمات 11 أيلول أو بعد أسبوع منها، وإنما بعد خمس سنوات كاملة من حدوثها، لم تتراجع خلالها حملة التمييز وانتهاك الحقوق بحق العرب والمسلمين في الولايات المتحدة، بل ازدادت حدة، بحسب بعض منظمات المجتمع المدني.
يشير آخر إحصاء سكاني في الولايات المتحدة أُجري عام ألفين الى ان مليون ومئتي ألف شخص هم عرب أو يتحدّرون من أصول عربية، فيما تشير تقديرات المنظمات العربية الى ان الرقم يتجاوز ثلاثة ملايين ونصف مليون شخص. وبينما لا يوجد أي إحصاء علمي للمسلمين في الولايات المتحدة، فإن التقديرات تراوح بين ستة وسبعة ملايين. ومثل بقية الأميركيين، يعتبر هؤلاء أن هجمات أيلول مثّلت حدثاً فصل ما قبله عما بعده. ويؤكد العرب المسلمون ان الشكوك التي تُثار حولهم أو التمييز ضدهم يعودان إلى دواعٍ دينية أكثر منها قومية.
المفارقة أن كمّ الاعتداءات والانتهاكات ضد العرب والمسلمين في أميركا في السنتين الأخيرتين، سواء في أماكن العمل أو التعليم أو دور العبادة أو الشارع، يفوق بكثير ذاك الذي أعقب هجمات أيلول، والسبب هو الحرب الأميركية في العراق. فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة «يو.إس.إي.توداي» في شهر آب الماضي أن 39 في المئة من الأميركيين يريدون أن يحمل المسلمون بطاقات تعريف خاصة كأحد الإجراءات لمكافحة الارهاب.
ولا تزداد مشاعر القلق بين العرب في أميركا خشية التعرض لاعتداء مباشر لكن خشية الوقوع ضحية الإجراءات الحكومية من خلال سلطات الهجرة وبرنامج التنصت الذي كانت تديره سراً وكالة الأمن الوطني قبل أن تأمر قاضية فدرالية في ولاية ميشيغان بوقفه لمخالفته الدستورويعتبر ناشطون حقوقيون من العرب الأميركيين أن سياسات إدارة الرئيس جورج بوش أدت الى تجريم مجموعة بشرية بأكملها وانتهكت الحريات والحقوق المدنية المعمول بها مستندة الى «باتريوت أكت» الذي أقره الكونغرس بعد ستة أسابيع من هجمات أيلول. ويمنح القانون المذكور الحكومة صلاحيات واسعة للتجسس على المواطنين، ويتيح اعتقال وترحيل المهاجرين المشكوك في تقديمهم الدعم إلى المنظمات المصنّفة إرهابية. وإن «إجراءات التسجيل الخاصة»، التي فرضتها وزارة العدل، مكّنت مكتب التحقيقات الفدرالي من إطلاق حملة اعتقالات شعواء، مباشرة بعد 11 أيلول أسفرت عن احتجاز 1200 شخص على الأراضي الأميركية، واجهت حفنة صغيرة منهم فقط تهماً تتعلق بالإرهاب، وقضى بعضهم سنوات في معتقلات مكتب التحقيقات الفدرالي أو سجون سلطات الهجرة قبل أن يُطلقوا أو يُرحّلوا.
ولعل الفضيحة الكبرى هي قضية الجزائري بن عمار بن عطى الذي سلمته السلطات الكندية لنظيرتها الأميركية بتاريخ الهجمات أثناء محاولته عبور الحدود المشتركة بطريقة غير شرعية، ولم يستعد حريته إلا في شهر تموز من العام الجاري بعد قضائه 1780 يوماً في السجن من دون توجيه تهمة واحدة له.
ويتذكر بن عطى أنه لم يفهم سبب تركيز رجال الأمن الأميركيين على سؤال واحد هو «هل تعرف قيادة الطائرات؟»، حتى لو كان ضابطاً سابقاً في قسم الهندسة في سلاح الجو الجزائري. وقد أدرك متأخراً السبب عندما سُمح له للمرة الأولى في نيسان من عام ألفين وواحد الاطلاع على نشرات الأخبار. حينها فقط علم بالهجمات وكيفية تنفيذها.
لعل أكثر ما يعانيه العرب والمسلمون في أميركا هو التنميط و«الإسلاموفوبيا» وتداعياتهما من تمييز وعنصرية وانتهاكات ولا سيما في النظام القضائي الذي بات موضوع تشكيك، وإن صدرت بين الحين والآخر أحكام تعيد الاعتبار للحقوق المدنية والحريات الدستورية المنتهكة.
غير أن التنميط و«الاسلاموفوبيا» أصبحا تهديداً حقيقياً انطلاقاً من عاملي الدين والقومية، حيث يتحول اسم الشخص أو ملامحه الخارجية الى إدانة أو سبب للريبة به.
وتشكل الموجة الراهنة من «الاسلاموفوبيا» والتنميط امتداداً لموجات مشابهة وفق دراسة أصدرها في وقت سابق «معهد دراسات الهجرة» في واشنطن. وتقارن الدراسة الظروف الراهنة بالمرحلة التي عُرفت بالمكارثية في الخمسينيات وقبلها مرحلة «الرعب الأحمر» مع احتدام المنافسة مع الاتحاد السوفياتي بعد الحرب العالمية الثانية. وليست الضغوط المتعاظمة على العرب والمسلمين شذوذاً عن القاعدة، بل هي في أحيان كثيرة القاعدة المتبعة من أجهزة الأمن، ولا سيما مكتب التحقيقات الفدرالي. ولدى الناشطين في مجال العمل الخيري تجربة مريرة في هذا المجال.
دلال محمد الأميركية من أصل فلسطيني والمديرة التنفيذية لمؤسسة «كندر يو.إس.إي»، تقول إن مؤسستها تكاد تفلس بسبب خوف المتبرعين من الوقوع في متاعب مع السلطات الأمنية، علماً أن السيدة محمد تنشط في مجالي الأمومة والطفولة في الأراضي الفلسطينية، لكنها منذ هجمات أيلول تتعرض لمضايقات مستمرة من مكتب التحقيقات الفدرالي، تأخذ شكل المقابلات الطوعية، أو الاتصال بالمتبرعين، وصولاً الى إحكام المراقبة على حركتها. وما زالت هذه المضايقات متواصلة حتى يومنا هذا. وتقول دلال محمد إنها تفضّل أن يُوجّه إليها تهمة واضحة لكي تدافع عن نفسها وتبرّئ ساحتها وتتمكن من التفرغ لعملها.
ولا تقتصر تداعيات التنميط و«الاسلاموفوبيا» على الجوانب المعنوية أو الحقوقية بل طالت جانباً آخر لم يحظ بالاهتمام الاعلامي الكافي وهو الاقتصادي، فقد انخفضت أجور الرجال من العرب والمسلمين في أميركا بنسبة 10 في المئة مقارنة بنظرائهم من بلدان وديانات أخرى، وخصوصاً في المناطق حيث يرتفع معدل جرائم الكراهية، وفق دراسة جديدة لمجلة «الموارد البشرية».
ويحذر الناشطون السياسيون وقادة منظمات المجتمع المدني من ردود الفعل السلبية لسياسات إدارة بوش، والعنصرية المتنامية وتراجع الثقة بالمنظومة الحقوقية و«الحلم الأميركي». ويخشى هؤلاء من انغلاق العرب والمسلمين على أنفسهم، وتنامي الشعور بالاغتراب، وعودة تيار السلفية الوهابية لاستقطاب الشبان، بعدما انقضت عليه السلطات الأميركية، وتراجعت الهيئات السعودية عن دعمه مالياً.
غير أن العرب والمسلمين في أميركا يقدّرون أكثر من أي وقت مضى أهمية انخراطهم في الشأن العام، يعينهم على ذلك تاريخ طويل من نضال الأقليات في الولايات المتحدة. لم يعد سهلاً في أميركا ما بعد 11 أيلول أن تقول إنك مسلم أو عربي وكفى. فالجيل الجديد يواجه تحدياً يومياً وتساؤلات من محيطه في الجامعة أو العمل تتعلق بأحكام الاسلام حول قضايا متعددة، أو بقضايا الشرق الأوسط الساخنة.
ويعتبر الكثير من الشباب العربي والمسلم في أميركا اليوم أن هجمات أيلول حفّزته أكثر من أي مسألة أخرى على التفكير بمعنى الهوية، ومعنى أن تكون أميركياً عربياً، أو أميركياً مسلماً، وكيف تجد هذه الهوية تعبيراتها السياسية والثقافية.
وثمة من يبدي تفاؤله بين قادة الجاليتين العربية والمسلمة، معتبراً أنه بعد خمس سنوات على 11 أيلول، يقف العرب والمسلمون في أميركا أمام مهمة تاريخية، هي قيادة حركة الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية، ويضيفون إذا كانت الولايات المتحدة بلد مشعل الحرية، فإن من يرفعه اليوم هم الناشطون العرب والمسلمون.