■ تراجع الثقة بالمنظومة الحقوقية و«الحلم الأميركي» ■ «القاعدة» الأدوات التي يستخدمها بوش ومساعدوه لمواجهة انخفاض شعبيتهمحسام كنفاني

العرب والمسلمون كانوا العنوان الأبرز للحرب على الإرهاب التي أطلقتها الولايات المتحدة بعد الحادي عشر من أيلول، فمنفّذو الهجوم على برجي مركز التجارة العالمي كانوا عرباً، والمحفّز كان خلفية إيديولوجية إسلامية، يعبّر عنها تنظيم «القاعدة» وبعض التنظيمات التي تدور في فلكه فقط، وقد حاول التنظيم سابقاً تنفيذ هجوم على مركز التجارة العالمي، وهاجم سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام.
ضخامة الحدث في 11 أيلول، كانت استثنائية، إذ مسّت الصميم الأميركي، فكانت للإدارة الجمهورية الجديدة في حينه الاستفادة منه، ولا سيما أن سياسة المحافظين الجدد المتغلغلة في إدارة بوش، التي لم تكن معلنة صراحة، كانت تعيب على إدارة كلينتون ضعفها «الذي حوّل أميركا إلى مسخرة في العالم»، كما جاء في أحد خطابات بوش خلال حملته الانتخابية، وبالتالي الاتجاه إلى العسكرة كان واضحاً قبل هجمات 11 أيلول، وخصوصاً أن نظرية «اعتبار العالم غابة لا تضبط إلا بالقوة» كانت شعاراً للمحافظين الجدد.
ولتعزيز غاية السيطرة، سعت الإدارة الأميركية، عن قصد أو عن سوء فهم، إلى الربط بين كل ما هو إسلامي والإرهاب، في ما يشبه نظام «السلة الواحدة» لتبرير أي تحرك عسكري أو سياسي، بعدما باتت غاية بوش وإدارته «دمقرطة المنطقة» للقضاء على جذور الإرهاب، وهو ما عبّر عنه الرئيس الأميركي في خطاب، يمكن اعتباره نقداً ذاتياً.
وقال بوش، أمام جامعة الدفاع الوطني في واشنطن، إن «الولايات المتحدة ساندت الحكام المستبدين العرب والمسلمين على حساب شعوبها المقهورة»، وأضاف «لقد بات واضحاً الآن أن عقود التغاضي عن معاونة الطغيان من أجل الاستقرار لم تؤد إلا إلى الظلم والقلق والمعاناة».
الإشارة إلى الأنظمة والاستبداد كانت الإيجابية الوحيدة في أحداث ما بعد 11 أيلول، وكان الرهان على أن الديموقراطية هي السلاح الأمضى في الترسانة الأميركية بالتوازي مع الحرب العسكرية على «الإرهاب»، إلا ان ترجمته على أرض الواقع لم تكن بالجدية نفسها، التي كانت تظهر في خطابات المسؤولين الأميركيين، ولا سيما مع الدول الحليفة للولايات المتحدة في العالمين العربي والإسلامي.
البداية كانت من باكستان، التي تعتبر الساحة الخلفية لحركة «طالبان» في أفغانستان وتنظيم «القاعدة»، وبالتالي كان لا بد من ضغط على نظام الرئيس برويز مشرّف، الذي أبدى استجابة غير متناهية مع التوجه الأميركي، فباتت الأراضي الباكستانية مرتعاً للقوات والاستخبارات الأميركية لتشن منها الحملات على أفغانستان بحثاً عن أسامة بن لادن، حتى إن الجيش الباكستاني شارك إلى حد كبير في الحملة على الإرهاب، وتغاضى عن الانتهاكات التي تنفذها القوات الأميركية عبر استهداف مواقع يُعتقد بأنها لـ«القاعدة» داخل أراضيه، وبالتالي لم تعد للولايات المتحدة مصلحة في إزاحة مشرّف عن سدة الحكم، على رغم وصوله إليها عبر انقلاب عسكري، يُدرج في خانة «الاستبدادي»، وقمعه النظام البرلماني الباكستاني، الذي عاد إلى العمل بعد 11 أيلول، في إطار الإجراءات الديموقراطية التجميلية، التي لجأت إليها الأنظمة، بمباركة واشنطن، للحفاظ على حكمها، وفي الوقت نفسه التماشي مع التوجه الأميركي الجديدالحراك الديموقراطي التجميلي، انسحب على أكثر من دولة عربية أيضاً، بعد ضغط سياسي خفيف على الحكام العرب الموالين للغرب. وهكذا شهدت السنوات الخمس الماضية ما يمكن اعتباره تحوّلات جوهرية في التعاطي العربي مع أدوات الديموقراطية، فكانت الانتخابات البلدية في السعودية واستفتاء الدستور في قطر والإعلان عن انتخابات جزئية في الإمارات، إضافة إلى الانتخابات البرلمانية في البحرين والرئاسية في مصر.
جاء هذا الحراك متماهياً مع مطالب أكثر من تيار داخلي في العالم العربي، إلا أنه لم يكن جذرياً تغييرياً شاملاً، ولا سيما أن نتائجه لم تكن كما تريد الولايات المتحدة، إذ حقق الإسلاميون فوزاً كبيراً في مصر وفلسطين والعراق، ما وضع المطالبة الأميركية بتعزيز الديموقراطية عند مفترق طرق، أدى في النهاية إلى تراجع حماسة صنّاع القرار في واشنطن تجاه المشروع الديموقراطي، فهم يخشون أن تؤدي أي عملية ديموقراطية شفافة إلى صعود قوى إسلامية إلى السلطة معارضة للمصالح الأميركية الحيوية في المنطقة.
واستغل الحكام العرب هذا التخوّف الأميركي والجهل بتركيبة الحركات الإسلامية واختلافها في تفسير التشريعات، لتحذير الأميركيين من مخاطر الانفتاح السريع في النظام السياسي العربي المنكمش على نفسه، وهو ما أعلنه صراحة الرئيس المصري حسني مبارك خلال لقاءاته مع الرئيس الأميركي جورج بوش، وسُرّب في الصحافة الأميركية.
ويبدو أن رسالة مبارك العربية لاقت الصدى المناسب في أرجاء الإدارة الأميركية التي باتت أولوية الديموقراطية بالنسبة إليها مجزّأةً ومرتبطةً بدرجة ولاء هذا النظام أو ذاك، لدرجة أن الرئيس الأميركي اعتبر أن الأردن وتونس هما النموذجان اللذان يسعى إليهما في المنطقة!
خطاب بوش عن الاستبداد والأنظمة القمعية بعد 11 أيلول شطب من جدول الأعمال السياسي الأميركي، فالحال اليوم، بعد خمس سنوات من انطلاق نظرية «الدمقرطة»، هي «عود على بدء» إلى ما كانت عليه الحال قبل ذلك، مع انضمام التحسّب من الديموقراطية إلى رعب الإرهاب.