strong>بدت ألمانيا تسير على خطى فرنسا، فالحرب على الإرهاب لم تعد جامعاً دولياً في الذكرى الخامسة للحادي عشر من أيلول، والانقلاب على السياسة الأمنية الأميركية أصبح اتجاهاً أوروبياً، والولايات المتحدة تقترب من الانفراد في حربها.برلين ـــ غسان أبو حمد

استغلت ألمانيا أمس الذكرى الخامسة لأحداث 11 أيلول، لتعلن انسلاخها عن السياسة الأميركية للحرب على الإرهاب، فرأت المستشارة أنجيلا ميركل أن “الغاية لا تبرّر الوسيلة”، بينما طالب وزير الداخلية ولفغانغ شويبله بمعالجة جذور المشاكل الاجتماعية والاقتصادية في الدول التي ينمو ويترعرع فيها الإرهاب.
وطالبت ميركل، في بيان حكومي، “باعتماد الجدية والتصميم الدولي في مكافحة الإرهاب، لكن على قاعدة التسامح واحترام الثقافات الأخرى وعدم خرق الشرائع الحقوقية والإنسانية”. وقالت إن مكافحة الإرهاب تكون باعتماد الديموقراطية والتطوير والنمو في المناطق التي تعاني الحرمان والخرق لحقوق الإنسان.
وأشارت ميركل إلى حالة أفغانستان “حيث يضطر المرء مجبراً في بعض الحالات إلى استخدام القوة والسلاح، لكن رغم ذلك، فإن الغاية لا يمكن إطلاقاً أن تبرّر وسائل العنف والقوة”. ودعت “المجموعة الدولية إلى التضامن وإلى التصدي للإرهاب”، مشيرة إلى “أن العمل الإرهابي في الحادي عشر من أيلول أحدث تغييراً في العالم وبات العالم أمام مخاطر داخلية وخارجية متساوية ومترابطة بعضها مع بعض لا يمكن القضاء عليها إلا بالتضامن الدولي”.
وفي سياق انتقاد السياسة الأمنية الأميركية، طالب شويبله بالتصدي بحزم وقوة لتنظيم “القاعدة”، لكن ضمن احترام القوانين والشرائع لأنها تكفل وحدها القضاء على الإرهاب.
وحول الحجة الأميركية لضرب العراق وشن الحرب عليه، قال شويبله “لقد أكدت الوقائع ما كان يعتبره البعض ظنوناً وهو عدم وجود ارتباط بين العراق وتنظيم القاعدة، لكن ذلك لا ينفي ضرورة إزاحة صدام حسين عن السلطة”.
في سياق تقويم السياسة الأمنية الأميركية في السنوات الخمس الماضية، دخلت الصحافة الألمانية إلى عقر دار السياسيين الأميركيين، وتحديداً، الخبراء في رسم السياسات الأمنية للولايات المتحدة. فالتقت صحيفة "دي فيلت” السناتور الأميركي جون ماكين، أحد صقور البيت “الجمهوري”، الذي دافع عن السياسة الأمنية لبوش مع الاعتراف ببعض الأخطاء.
والتقت مجلة “درشبيغل سبسيال” مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق زبغنيو بريجنسكي، الذي انتقد بعنف السياسة الأمنية لبوش وانعكاساتها المستقبلية الخطرة على العالم.
ورأى ماكين أن “الولايات المتحدة هي اليوم أكثر أمناً من حالها قبل خمس سنوات”. وأشار إلى أن الإجراءات الأمنية الأميركية في مكافحة الإرهاب، إضافة إلى أن “حسن الحظ والصدفة” ساعدا، في السنوات الخمس الماضية، على تأمين سلامة الولايات المتحدة.
واعترف ماكين بوقوع بعض الأخطاء عند تطبيق السياسة الأمنية في الخارج، ومنها الصورة السلبية لمعسكر الاعتقال في غوانتانامو والحرب داخل العراق، وأيضاً صعوبة تطبيق التوازن بين “الحرية والسياسة الواقعية” عند التعامل مع الأنظمة العربية، وخصوصاً النظام السعودي، عندما فضّلت الولايات المتحدة مصالحها الأمنية على “السياسة الواقعية” فكانت الأولوية “للإجراءات الأمنية” على حساب “الانتخابات الديموقراطية”.
وحاول ماكين تحليل أسباب الأخطاء، فقال “في البداية كنت أعتقد، كما سواي من المراقبين، بأن هؤلاء الإرهابيين هم أطفال فقراء مشردون التقطتهم المدارس الدينية الإسلامية من شوارع إسلام أباد وقامت بغسل عقولهم وحضّرتهم لقتل أنفسهم. أما اليوم، فإن الصورة مختلفة، نحن نرى شباناً عاشوا في مدن حضارية وحضنتهم تربية جيدة، لكن عملية غسل عقولهم تمت عبر غرف الدردشة على شبكة الكومبيوتر وعبر لقاءات تجمع بعضهم ببعض.. هذا العامل الجديد زاد عملية مكافحة الأصولية الإسلامية تعقيداً.. إن الإرهابيين يستعدون اليوم لضرب بلدانهم”.
وحول أهم الدعائم التي تعتمدها الولايات المتحدة في رسم سياستها منذ وقوع هجمات 11 أيلول قبل خمس سنوات، قال ماكين “منذ وقوع الحادثة تخلت الولايات المتحدة عن اعتماد الاقتصاد معياراً لرسم سياستها. تقوم السياسة الأميركية اليوم على قاعدة الحرب على الإرهاب. لقد نجح الجمهوريون منذ عام 2004 في السيطرة على القرار وإقناع الناخبين بفعالية سياستهم الامنية”.
رداً على سؤال من مجلة “درشبيغل سبسيال”حول صحة “الانتصار” الذي يتغنى به بوش عند المقارنة بين التصدي لمخاطر الإرهاب اليوم والتصدي لمخاطر الحرب الباردة سابقاً، استغرب بريجنسكي “هذا التشبيه الخاطئ”. وقال “إن هذا التشبيه خطأ كامل. ولا أعرف ما إذا كان جورج بوش يمارس ديماغوجية الكلام، كما هو معروف عنه أم إنه يظهر جهله التاريخي. لقد أمضيت أربع سنوات في موقعي القريب من السلطة في عهد الرئيس جيمي كارتر، وكنت طوال تلك الفترة من الحرب الباردة، أبحث عن جواب لما يمكن أن تقوم به الولايات المتحدة عند وقوع حرب بالأسلحة الذرية ضد الاتحاد السوفياتي. وباستطاعتي أن أؤكد لكم، أنه، إذا وقع نوع كهذا من الحروب فستكون نتائجها، في الساعات الـ24 الأولى، وفاة ما بين 160 و180 مليون إنسان. هذه النتيجة ليس بإمكان أي عملية إرهابية أن تحققها في وقتنا الحاضر. إن الإرهاب هو تقنية قتل الناس وليس هو العدو الرسمي. خلق تلاعب الرئيس بوش على الكلمات مناخاً من الخوف طال القرارات السياسية وألحق ضرراً بصورة الأخلاق والمناقب الأميركية”.
أضاف بريجنسكي “لا أريد التخفيف من مخاطر الإرهاب، ولكن لا يجوز مقارنة خطر الإرهابيين بخطر الاتحاد السوفياتي الذي كان يمتلك ترسانة من الأسلحة النووية. إن الإسلام الراديكالي هو حالة مجهولة، موجودة في بعض الدول وغير موجودة في دول أخرى. هذه الحالة تتمركز في منطقة الشرق الأوسط ولا تشكل أكثرية عددية”.