مهدي السيد
طرحت زيارة رئيس الحكومة البريطانية طوني بلير إسرائيل ولقائه إيهود أولمرت «أسئلة إسرائيلية»، على خلفية المواقف التي صدرت خلالها عن رئيس الحكومة الإسرائيلية بشكل خاص، والتي أعادت إلى الأذهان المناورات السياسية التي ميّزت سياسة الحكومات الإسرائيلية خلال السنوات الماضية في كل ما يتعلق بالساحة الفلسطينية وسبل إيجاد حلول للمسائل والقضايا التي تعوق التوصل إلى اتفاق إسرائيلي ــ فلسطيني.
وثمة سؤالان رئيسيان واكبا زيارة بلير: الأول، وهو سؤال شكلي، يتركّز على «من يُساعد من»، بمعنى هل زيارة بلير تهدف إلى مساعدة أولمرت؟ أو هل استقبال أولمرت ومواقفه تهدف إلى مساعدة بلير؟
غير أن السؤال الثاني، الذي يُعتبر أكثر أهمية لكونه لا يتعلق بالشكل بل بالجوهر، فيتركز على الخلفية والأهداف الحقيقية لمواقف أولمرت، التي أطلقها خلال زيارة بلير، والتي يمكن إجمالها بعنوانين أساسيين هما: استعداد للقاء رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس(أبو مازن)، وإعادة تأكيد خريطة الطريق باعتبارها الخيار الأنسب والأوحد المطروح الآن لتحريك المسار التفاوضي الإسرائيلي ــ الفلسطيني.
في تحليل خلفية مواقف أولمرت، ثمة شبه إجماع إسرائيلي على أن بصمات إخفاق العدوان الإسرائيلي على لبنان حاضرة بقوة وبشكل مؤثر، وهي تتجلى في مسألتين اثنتين: رغبة أولمرت الجامحة في إزاحة الموضوع اللبناني عن واجهة العناوين في الداخل الإسرائيلي، وإبعاد هذا الموضوع عن دائرة السجال العام، والثانية وضع خطة الانطواء في «ثلاجة الموتى»، وبالتالي سقوط جدول الأعمال السياسي الذي انتُخب أولمرت وحزبه على أساسه، والذي هو اللبنة السياسية للائتلاف الحكومي مع حزب العمل.
أما في ما يتعلق بالأهداف الحقيقية لمواقف أولمرت، فثمة انطباع عام وواسع داخل إسرائيل، مفاده أن مواقفه لا تعدو كونها مجرد مناورة سياسية قديمة، سبقه إليها أسلافه، وأن الهدف منها تنفيس بعض الاحتقان الداخلي، والتخفيف من بعض الضغط الخارجي. ويتولد هذا الانطباع من علم أولمرت علمَ اليقين أن الأوضاع الفلسطينية الراهنة، السياسية والاجتماعية، لا توفر الظروف المناسبة لنجاح تنفيذ خريطة الطريق، ولا توفر ظروفاً مناسبة لنجاح أي لقاء مع أبو مازن، سوى انجاز اللقاء بحد ذاته.
أراد أولمرت بموقفه الأخير ضرب عدة عصافير بحجر واحد: إعادة طرح جدول سياسي جديد لحكومته بما يمنحها المبرر السياسي للبقاء نظرياً، بعدما سقطت خطة الانطواء، إعادة «شدشدة مفاصل الائتلاف الحكومي» القائم، وفتح نافذة سياسية أمام امكانية توسيعه أو تغييره لاحقاً، منح ضيفه مكسباً سياسياً ــ ديبلوماسياً من دون أن يدفع شيئاً من جيبه الخاص، والعصفور الأهم كسب أكبر قدر ممكن من الوقت السياسي يتيح له تجاوز الأزمات الداخلية التي يمر بها شخصياً، والتي تمر بها حكومته وحزبه على حد سواء. ويبقى السؤال المطروح هل تنجح مناورة أولمرت هذه في إنقاذه من مستنقع أزماته، أو تغوص به عميقاً في وحل السياسة الإسرائيلية؟